بالإغواء من قولهم : أحتنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها وجرد ما عليها واحتنك فلان مال فلان إذا أخذه وأكله وعلى ذلك قوله : نشكو إليك سنة قد أجحفت .
جهدا إلى جهد بنا فأضعفت واحتنكت أموالنا وأجلفت وكأنه مأخوذ من الحنك وهو باطن أعلى الفم من داخل المنقار فهو اشتقاق من اسم عين واختار هذا الطبري والجبائي وجماعة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال يقول لأضلنهم وهو بيان لخلاصة المعنى وهذا كقول اللعين لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا قليلا 26 منهم وهو العباد المخلصون الذين جاء استثناءهم في آية أخرى جعلنا الله تعالى وإياكم منهم وعلم اللعين تسنى هذا المطلب له حتى ذكره مؤكدا إما بواسطة التلقي من الملائكة سماعا وقد أخبرهم الله تعالى به أو رواه في اللوح المحفوظ أو بواسطة استنباطه من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء مع تقرير الله تعالى له أو بالفراسة لما رأى فيه من قوة الوهم والشهوة والغضب المقتضية لذلك ولا يبعد أن يكون استثناء القليل بالفراسة أيضا وكأنه لما رأى أن المانع من الاستيلاء في القليل مشترك بينه وبين آدم عليه السلام ذكره من أول الأمر وعن الحسن أنه ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم وغره حتى كان ما كان فقاس الفرع على الأصل وهو مشكل لأن هذا القول كان قبل الوسوسة التي كان بسببها ما كان ومن زعم أنه كان هناك وسوستان فعليه البيان ولا يأتي به حتى يؤب القارضان أو يسجد لآدم عليه السلام الشيطان .
قال الله سبحانه تعالى : إذهب ليس المراد به حقيقة الأمر بالذهاب ضد المجيء بل المراد تخليته وما سولته نفسه إهانة له كما تقول لمن يخالفك إفعل ما تريد وقيل : يجوز أن يكون من الذهاب ضد المجيء فمعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى : أخرج منها فإنك رجيم وقيل هو طرد وتخلية ويلزم على ظاهره الجمع بين الحقيقة والمجاز والقائل ممن ير جوازه ويدل على أنه ليس المراد منه ضد المجيء تعقيبه بالوعيد في قوله سبحانه : فمن تبعك منهم وضل عن الحق فإن جهنم جزاؤكم أي جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب رعاية لحق المتبوعية وجوز الزمخشري وتبعه غير واحد أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب وتعقبه ابن هشام في تذكرته فقال : عندي أنه فاسد لخلو الجواب أو الخبر عن الرابط فإن ضمير الخطاب لا يكون رابطا وأجيب بأنه مؤول بتقدير فيقال لهم : إن جهنم جزاؤكم ورد بأنه يخرج حينئد عن الإلتفات وقال بعض المحققين : إن ضمير الخطاب إن سلم أنه لا يكون عائدا لا نسلم أنه إذا أريد به الغائب التفاتا لا يربط به لأنه ليس بأبعد من الربط بالاسم الظاهر فاحفظ .
جزاء موفورا 36 أي مكملا لا يدخر منه شيء كما قال ابن جبير من فر كعد لصاحبك عرضه فرة أي كمل لصاحبك عرضه وعلى ذلك قوله : ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم وجاء وفر لازما نحو وفر المال يفر وفورا أي كمل وكثر وانتصب جزاء على المصدر بإضمار تجزون أو تجازون فإنهما بمعنى وهذا المصدر لهما