أي من طين كما صرح به في آية أخرى وجوز الزجاج كونه حالا من العائد المحذوف والعامل خلقت فيكون المعنى أأسجد لمن كان في وقت خلقه طينا فالطينية وإن كانت مقدمة على خلقه إنسانا لكنها مقارنة لابتداء تعلقه به والزمخشري أيضا كونه حالا من نفس الموصول والعامل حينئذ أأسجد على معنى أأسجد له وهو طين أي أصله طين قال في الكشف : وهو أبلغ لأنه مؤيد لمعنى الانكار وفيه تحقير له عليه السلام وحاشاه بجعله نفس ما كان عليه لم تزل عنه تلك الذلة وليس في جعله حالا من العائد هذه المبالغة وأنت تعلم أن الحالية على كل حال خلاف الظاهر لكون الطين جامدا ولذا أوله بعضهم بمتأصلا وجوز الزجاج أيضا وتبعه ابن عطية كونه تمييزا ولا يظهر ذلك وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال : لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنه فيه على ما قيل إيماء إلى علة أخرى وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق تعالى مجده .
قال أي ابليس وفي إعادة الفعل بين كلامي اللعين إيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتناءه عليه بل على غيره وقد ذكر ذلك في مواضع آخر أي قال بعد طرده من المحل الأعلى ولعنه واستنظاره وإنظاره أرأيت هذا الذي كرمت علي الكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله وهو من التأكيد اللغوي فلا محل له من الإعراب ورأى عليه فتتعدى إلى مفعولين و هذا مفعولها الأول والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة الصلة عليه وهذا الانشاء مجاز عن إنشاء آخر ومن هنا تسمعهم يقولون : المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي لما كرمته علي وأنا أكرم منه والعلاقة ما بين العلم والاخبار من السببية والمسببية واللازمية والملزومية وجملة لما كرمته واقعة على ما نص عليه أبو حيان موقع المفعول الثاني وذهب بعض النحاة إلى أن رأى بصرية فتتعدى إلى واحد واختاره الرضي ويجعلون الجملة الاستفهامية المذكورة مستأنفة .
وقال الفراء : الكاف ضمير في محل نصب أرأيت نفسك وهو كما تقول : أتدبرت آخر أمرك فإني صانع كذا و هذا الذي كرمت علي مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام أي أهذا الخ وقال بعضهم بهذا إلا أنه جعل الكاف حرف خطاب مؤكد أي أخبرني أهذا من كرمته علي وقال ابن عطية : الكاف حرف كما قيل لكن معنى أرأيتك أتأملت كأن المتكلم ينبه المخاطب على استحضار ما يخاطبه به عقيبه وكونه بمعنى أخبرني قول سيبويه والزجاج وتبعهما الحوفي والزمخشري وغيرهما وزعم ابن عطية أن ذلك حيث يكون استفهام ولا استفهام في الآية .
وأنت تعلم أن المقرر في أرأيت بمعنى أخبرني أن تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر فيها استفهاما ما مذكورا أو مقدرا فمجرد عدم وجوده لا يأبى ذلك وأياما كان فاسم الاشارة للتحقير والمراد من التكريم التفضيل .
وجملة لئن أخرتني إلى يوم القيامة استئناف وابتداء كلام واللام موطئة للقسم وجوابه لأحتنكن ذريته .
وفي البحر لو ذهب ذاهب إلا أن هذا مفعول أول لأرأيتك بمعنى أخبرني والمفعول الثاني الجملة القسمية المذكورة لانعقادهما مبتدأ وخبرا قبل دخول أرأيتك لذهب مذهبا حسنا إذ لا يكون في الكلام على هذا إضمار وهو كما ترى والمراد من أخرتني أبقيتني حيا أو أخرت موتي ومعنى لأحتنكن ذريته لأستولين عليه استيلاء قويا من قولهم حنك الدابة واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به .
وأخرج هذا ابن جرير وغيره عن ابن عباس وإليه ذهب الفراء أو لأستأصلنهم وأهلكنهم