كما في النوع الإنساني ويؤيد ذلك قوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم مع أنه لم يصرف الخطاب فيه وأنه حيث اعتبر الفطنة في الكافي عن الكف لم ينفعه الاعتذار عن توحيد الخطاب في النهي عن الشرك بما اعتذر به فإن للفطنة دخلا تاما في التوحيد كما لا يخفى على فطن ويرد على قوله في الثامن : وهذا الإيهام الخ منع ظاهر فلا يخفى حاله كما لا يخفى ويرد على التاسع أنه لا يساعده نقل ولا عقل بل جاء في النقل ما يخالفه كما سمعت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإن اعتبر النهي عن الشرك من تلك التكليفات فهو كاف في تزييف هذا الوجه لأن النهي عن الشرك جاء به كل رسول ونطق به كل كتاب وما ذكره مؤيدا لغرضه بمعزل عن التأييد هذا وبقيت إيرادات أخر على هذه الوجوه أعرضنا عنها وتركناها للذكي الفطن حذرا من التطويل فتأمل ذاك والله يتولى هداك .
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذتم من الملائكة إناثا خطاب للقائلين بأن الملائكة بنات الله سبحانه والاصفاء بالشيء جعله خالصا والهمزة للإنكار وهي داخلة على مقدر على أحد الرأيين والفاء للعطف على ذلك المقدر أي أفضلكم على جنابه فخصكم بأفضل الأولاد على وجه الخلوص وآثر لذاته أخسها وأدناها والتعرض لعنوان الربوبية لتشديد النكير وتأكيده وعبر بالإناث إظهارا للخسة .
وقال شيخ الإسلام : أشير بذكر الملائكة عليهم السلام وإيراد الإناث مكان البنات إلى كفرة لهم أخرى وهي وصفهم لهم عليهم السلام بالأنوثة التي هي أخس صفات الحيوان كقوله تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا وفي الكشف أنه تعالى لما نهى عن الشرك ودل على فساده أتى بالفاء الواصلة وأنكر عليهم ذلك دليلا على مكان التعكيس وأنهم بعد ما عرفوا أنه سبحانه بريء من الشرك بدليل العقل والسمع نسبوا إليه تعالى ما هو شرك ونقص وازدراء بمن أصطفاه من عباده فيا له من كفرة شنيعة ولذا قيل : إنكم لتقولون بمقتضى مذهبكم الباطل قولا عظيما 04 لا يقادر قدره في استتباع الاثم وخرقه لقضايا العقول بحيث لا يجتريء عليه ذو عقل حيث تجعلونه سبحانه من قبيل الأجسام السريعة الزوال المحتاجة إلى بقاء النوع بالتوالد وليس كمثله شيء وهو الواحد القهار الباقي بذاته ثم تضيفون إليه تعالى ما تكرهون من أخس الأولاد وتفضلون عليه سبحانه أنفسكم بالبنين ثم تصفون الملائكة عليهم السلام بما تصفون .
ولقد صرفنا من التصريف وهو كثرة صرف الشيء من حال إلى حال ومفعوله هنا محذوف للعلم به أي صرفناه أي هذا المعنى والمراد عبرنا عنه بعبارات وقررناه بوجوه من التقريرات في هذا القرءان العظيم أي في مواضع منه فالمراد بالقرآن مجموع التنزيل وجوز أن يراد به البعض المشتمل على إبطال إضافة البنات إليه سبحانه ومفعول صرفنا محذوف أيضا أي صرفنا القول المشتمل على إبطال الإضافة المذكورة في هذا المعنى وإيقاع القرآن على المعنى وجعله ظرفا للقول إما بإطلاق اسم المحل على الحال لما اشتهر أن الألفاظ قوالب المعاني أو بالعكس كما يقال الباب الفلاني في كذا وهذه الآية في تحريم كذا أي في بيانه ويجوز تنزيل الفعل منزلة اللازم وتعديته بفي كما في قوله .
يجرح في عراقيبها نصلى .
أي أوقعنا التصريف فيه وقريء صرفنا بالتخفيف والصرف كالتصريف إلا في التكثير ليذكروا أي ليتذكروا ويتعظوا ويطمئنوا له فإن