إن في كونه أهون من انتقاء الإحسان مطلقا مع كونه قد لا يكون كبيرة منعا ظاهرا كما لا يخفى وكذا في كون المشي مرحا دون كل واحد من الأمور السابقة بحث .
وقد أخرج الشيخان بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل مختال في مشيته إذ خسف الله تعالى به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة وروى أحمد وابن ماجة والحاكم ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله تعالى وهو عليه غضبان وصح لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر إلى غير ذلك من الأحاديث التي لم يجيء مثلها فيمن لم يحسن إلى والديه نعم جاء ذلك فيمن عق والديه وبين عقوقهما وعدم الإحسان إليهما عموم وخصوص مطلق وعلى هذا فلا يخفى حال كما لا يخفى ويرد على الوجه الثاني على ما فيه أنه غير واف بالغرض وعلى الثالث أنه مجرد دعوى لم تساعدها الآثار نعم ورد في بعض ما ذكر أن فتنته لا تصيب الظالم فقط ما يؤيده ومن ذلك ما أخرجه البيهقي وغيره يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلت بكم أعوذ بالله تعالى أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة الموءنة وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله تعالى وعهد رسوله إلا سلط الله تعالى عليهم عدوا من غيرهم فيأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى إلا جعل الله تعالى بأسهم بينهم وإن كان في عدم إيتاء المسكين وابن السبيل حقهما منع الزكاة فأمر الإيماء المذكور لا يخفى حاله فإن ألاخبار قد تظافرت بعموم شؤم ذلك فقد صح ما منع قوم الزكاة إلا حبس الله تعالى عنهم القطر وفي رواية صحيحة إلا ابتلاهم الله تعالى بالسنين إلى غير ذلك ويرد على الوجه الرابع أن بعضهم قد أطلق القول بأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كبيرة .
وصرح صاحب العدة بأن الغيبة نفسها صغيرة وترك النهي عنها كبيرة وقال بعض المتأخرين : ونقله الجلال البلقيني ينبغي أن يفصل في النهي عن المنكر فيقال : إن كان كبيرة فالسكوت عليه مع إمكان دفعه كبيرة وإن كان صغيرة فالسكوت عليه صغيرة ويقاس ترك المأمور بهذا إذا قلنا : إن الواجبات تتفاوت وهو الظاهر ا ه .
وقد علمت أن فيما وحد الخطاب فيه من الأوامر ما تركه كبيرة ومن النواهي ما فعله كذلك فلم يتحقق ما رجا سلمه الله تعالى على أن في تعبيره بالإجبار فيما عبر فيه ما لا يخفى ويرد على الخامس أن في كون الطاعات التي وحد فيها الخطاب لا تصدر إلا من الآحاد لأنها لا يوفى حقها إلا المتورعون منعا ظاهرا فإن أكثر الناس صالحهم وطالحهم لا يمشي في الأرض مرحا ومثل ذلك الدعاء للوالدين بالرحمة فإنا نسمعه على أتم وجه من كثير ممن لا يعرف الورع أي شيء هو وكذا في قوله : بخلاف غيرها فإنه مضبوط فإن ترك التصرف في مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ممن له ولاية عليه أمر شاق لا يكاد يقوم به إلا الأفراد قال في رد المحتال حاشية الدر المحتار : لا ينبغي للموصى إليه أن يقبل لصعوبة العدل جدا ومن هنا قال أبو يوسف : الدخول في الوصاية أول مرة غلط وثاني مرة خيانة وثالث مرة سرقة ومن هذا يعلم ما في الوجه السادس ويرد على السابع أيضا أن المشي في الأرض مرحا كالأمور التي صرف الخطاب في النهي عنها عنه في أن فطرته وفطنته وسلامة طبعه اللطيف واستقامة مزاجه الشريف كافية في الكف عنه فإن الكبر من البشر لا ينشأ إلا عن جهل وبلادة وقد جبل E على أكمل ما يكون من التواضع بل وسائر الصفات التي هي