أبي حاتم لها واستدل بالآية على أن العبد يؤاخذ بفعل القلب كالتصميم على المعصية والأدواء القلبية كالحقد والحسد والعجب وغير ذلك نعم صرحوا بأن الهم بالمعصية من غير تصميم لا يؤاخذ به للخبر الصحيح في ذلك .
ثم إن اتباع الظن يكون كبيرة ويكون صغيرة حسب أنواعه وأصنافها ومنه ما هو أكبر الكبائر كما لا يخفى نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن جميع ذلك .
ولا تمش في الأرض مرحا أي فخرا وكبرا قاله قتادة وقال الراغب : المرح شدة الفرح والتوسع فيه والأول أنسب وهو مصدر وقع موقع الحال والكلام في مثله إذا وقع حالا أو خبرا أو صفة شائع وجوز أن يكون منصوبا على المصدرية لفعل محذوف أي تمرح مرحا وأن يكون مفعولا له أي لأجل المرح وقريء مرحا بكسر الراء عن أنه صفة مشبهة ونصبه على الحالية لا غير قيل وهذه القراءة باعتبار الحكم أبلغ من قراءة المصدر المفيد للمبالغة بجعله عين المرح نظير ما قيل في زيد عدل لأن الوصف واقع في حيز النهي الذي هو في معنى النفي ونفي أصل الاتصاف أبلغ من نفي زيادته ومبالغته لأنه ربما يشعر ببقاء أصله في الجملة وجعل المبالغة راجعة إلى النفي دون المنفي كما قيل في قوله تعالى : وما ربك بظلام للعبيد بعيد هنا والقول بأن الصفة المشبهة تدل على الثبوت فلا يقتضي نفي ذلك نفي أصله كما قيل في المصدر مغالطة نشأت من عدم معرفة معنى الثبوت في الصفة فإن المراد به أنها لا تدل على تجدد وحدوث لا أنها تدل على الدوام والأخفش فضل القراءة بالمصدر لما فيه من التأكيد ولم ينظر إلى أن ذلك في الإثبات لا في النفي أو ما في حكمه وأورد على ماقيل أن فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة وهو كما ترى .
ولذا فضل بعضهم القراءة بالمصدر كالأخفش وجعل المبالغة المستفادة منه راجعة إلى النهي ومنع كون ذلك بعيدا وقيل إذا جعل التقدير في المتواترة ذا مرح تتحد مع الشاذة وتعقب بأن ذا مرح أبلغ من مرحا صفة لما فيه من الدلالة على أنه صاحب مرح وملازم له كأنه مالك إياه وفيه توقف كما لا يخفى والتقييد بالأرض لا يصح أن يقال للاحتراز عن المشي في الهواء أو على الماء لأن هذا خارق ولا يحترز عنه بل للتذكير بالمبدأ والمعاد وهو أردع عن المشي مشية الفاخر المتكبر وادعى لقبول الموعظة كأنه قيل : لا تمش فيما هو عنصرك الغالب عليك الذي خلقت منه وإليه تعود والذي قد ضم من أمثالك كثيرا مشية الفاخر المتكبر : وقيل للتنصيص على أن النهي عن المشي مرحا في سائر البقع والأماكن لا يختص به أرض دون أرض والأول ألطف .
إنك لن تخرق الأرض تعليل للنهي وفيه تهكم بالمختال أي إنك لن تقدر أن تجعل فيها خرقا بدوسك وشدة وطأتك ولن تبلغ الجبال التي عليها طولا 73 بتعاظمك ومد قامتك فأين أنت والتكبر عليها إذا التكبر إنما يكون بكثرة القوة وعظم الجثة وكلاهما مفقود فيك أو إنك لن تقدر على ذلك فأنت أضعف من كل واحد من هذين الجمادين فكيف يليق بك التكبر وقال بعض المحققين : مآل النهي والتعليل لا تفعل ذلك فإنه لا جدوى فيه وهو وجه حسن ونصب طولا على أنه تمييز وجوز أن يكون مفعولا له وقيل : يشير كلام بعضهم إلى أنه منصوب على نزع الخافض وهو بمعنى التطاول أي لن تبلغ الجبال بتطاولك ولا يخفى بعده وإيثار الإظهار على الإضمار حيث لم يقل لن تخرقها لزيادة الإيقاظ والتقريع ثم إن الاختيال في المشي كبيرة كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهذا فيما عدا بين الصفتين أما بينهما فهو مباح لخبر صح فيه ويكفي ما في الآية من التهكم