قائما أم جالسا وقيل بمعنى العجز والعرب تقول : ما أقعدك على المكارم أي ما أعجزك عنها وقيل : بمعنى الصيرورة من قولهم : شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وتعقب هذا أبو حيان بأن مجيء قعد بمعنى صار مقصور عند الأصحاب على هذا المثل ولا يطرد وقال بعضهم : إن أطرد فإنما يطرد في مثل الموضع الذي استعملته العرب فيه أو لا يعني القول المذكور فلا يقال : قعد كاتبا بمعنى صار بل قعد كأنه سلطان لكونه مثل قعدت كأنها حربة ولعل من فسر القعود هنا بمعنى الصيرورة ذهب مذهب الفراء فإنه كما قال أبو حيان وغيره يقول باطراد ذلك وجعل منه قول الراجز المذكور في البحر والحواشي الشهابية ولا حجة فيه .
وحكى الكسائي قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها واستعمال البغداديين على هذا ثم إنهم اختلفوا في القعود بمعنى العجز فقيل هو مجاز من القعود ضد القيام كالمقعد بمعنى العاجز عن القيام ثم تجوز به عن مطلق العجز وقيل هو كناية عن العجز فإن من أراد أخذ شيء يقوم له ومن عجز قعد وأما القعود بمعنى الزمان فحقيقة والاقعاد مجاز كأن مرضه أقعده وجعل هذا القعود بمعنى المكث حقيقة وتعقب بأن فيه نظرا إلا أن يريد حقيقة عرفية لا لغوية لأنه ضد القيام وإذا جعل القعود هنا بمعنى العجز فالفعل لازم متعلقة محذوف أي فتعجز عن الفوز بالمقصود مثلا و مذموما مخذولا 22 إما خبر أن لتقعد على القول الأخير وإما حالان مترادفان أي فتقعد جامعا على نفسك الخذلان من الله تعالى والذم من الملائكة والمؤمنين أو من ذوي العقول حيث اتخذت محتاجا مفتقرا مثلك لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلها ونسبت إليه ما لا يصلح له وجعلته شريكا لمن له الكمال الذاتي وهو الذي خلقك ورزقك وأنعم عليك على ما عداه وجوز أبو حيان أن يراد بالقعود حقيقته لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرا متفكرا وهو من باب التعبير بالحال الغالبة وفي الآية إشعار بأن الموحد جامع بين المدح والنصرة وقضى ربك أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : أي أمر ألا تعبدوا إلا إياه أي بأن لا تعبدوا الخ على أن أن مصدرية والجار قبلها مقدر ولا نافية والمراد النهي ويجوز أن تكون ناهية كما مر ولا ينافيه التأويل بالمصدر كما أسلفناه أو أي لا تعبدوا الخ على أن أن مفسرة لتقدم ما تضمن معنى القول دون حروفه ولا ناهية لا غير وجوز بعضهم أن تكون أن مخففة وإسمها ضمير شأن محذوف ولا ناهية أيضا وهو كما ترى وجوز أن البقاء أن تكون أن مصدرية ولا زائدة والمعنى ألزم ربك عبادته وفيه أن الاستثناء يأبى ذلك وفي الكشاف تفسير قضى بأمر أمرا مقطوعا به وجعل ذلك غير واحد من باب التضمين وجعل المضمن أصلا والمتضمن قيدا وقال بعضهم : أراد أن القضاء مجاز عن الأمر المبتوت الذي لا يحتمل النسخ ولو كان ذلك من التضمين لكان متعلق القضاء الأمر دون المأمور به وإلا لزم أن لا يعبد أحد غير الله تعالى فيحتاج إلى تخصيص الخطاب بالمؤمنين فيرد عليه بأن جميع أوامر الله تعالى بقضائه فلا وجه للتخصيص وتعقب بأن ما ذكر متوجه لو أريد بالقضاء أخو القدر أما لو أريد به معناه اللغوي الذي هو البت والقطع المشار إليه فلا يرد ما ذكره ثم إن لزوم أن لا يعبد أحد غير الله تعالى ادعاه ابن عباس فيما يروى للقضاء من غير تفصيل فقد أخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : أنزل الله تعالى هذا الحرف على لسان نبيكم ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه فلصقصت إحدى الواوين بالصاد فقرأ الناس وقضى ربك ولو نزلت