وتغيير الشرائع كما فعل عمرو ابن لحي ولا يخفى أن هذا لا يوافق إطلاق هؤلاء الأئمة ولا القول بأنه لا وجوب إلا بالشرع ولو أمكن أن يكون من ثبت تعذيبه من اتباع من بقي شرعه إذ ذاك كعيسى عليه السلام ولم يبق إشكال أصلا واستدل بعض من يقول بتعذيبهم مطلقا بما أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله قال : يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا : يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني ويقول الهالك في الفترة : يا رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ويقول الهالك صغيرا : يا رب لو آتيتني عمرا ما كان من آتيته عمرا بأسعد بعمره مني فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : فاذهبوا فادخلوا جهنم ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا فتخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله تعالى من شيء فيرجعون سراعا ويقولون : يا ربنا خرجنا وعزتك نريد دخولها فخرجت علينا قوابص من نار ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله تعالى من شيء ثم يأمرهم ثانية فيرجعون لذلك ويقولون كذلك فيقول الرب تعالى خلقتكم على علمي وإلى علمي تصيرون يا نار ضميهم فتأخذهم النار وبعض الأخبار يقتضي أن منهم من يعذب ومنهم من لا يعذب .
فقد أخرج أحمد وابن راهويه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي قال : أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول فيأخذ سبحانه مواتيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله : يؤتى يوم القيامة بأربعة بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من جهنم : ابرزي ويقول لهم : إني كنت أبعث عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم فيقول لهم : ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء : يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفر وأما من كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها فيقول الرب تعالى قد عاينتموني فعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار إلى غير ذلك من الأخبار ويحتج بها من قال بانقسام ذراري المشركين بل وذراري المؤمنين وفي القلب من صحتها شيء وإن قال في الإصابة : إنها وردت من عدة طرق وعلى تقدير صحتها فمعارضها أصح منها والذي يميل إليه القلب أن العقل حجة في معرفة الصانع تعالى ووحدته وتنزهه عن الولد سبحانه قبل ورود الشرع للأدلة السابقة وغيرها وإن كان في بعضها ما يقال وإرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة منه تعالى أو أن ذلك لبيان ما لا ينال بالعقول من أنواع العبادات والحدود فلا يرد أنه لو كان العقل حجة ما أرسل الله تعالى رسولا ولاكتفى به وقيل في جوابه : لما كان أمر البعث والجزاء مما يشكل مع العقل وحده إلا بعظيم تأمل فيه حرج يعذر الإنسان بمثله ولا إيمان بدونه بعث الله تعالى الرسل عليهم السلام لبيان ما به تتمة الدين لا لنفس معرفة الخالق فإنها تنال ببداية العقول فالبعرة