معرفتها إلا بالشرع إلا بعد مجيء الشرع ثم قال : والذي ترتضيه وتذهب إليه أن مجرد العقل سبب في أن يجب علينا فعل ما ينتفع به وترك ما يتضرر به ويمتنع أن يحكم العقل عليه تعالى بوجوب فعل أو ترك فعل ا ه .
ؤانت تعلم ما قيل من حمل الرسول على العقل وهو خلاف استعمال القرآن الكريم ويبعده توبيخ الخزنة الكفار بقولهم أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ولم يقولوا أو لم تكونوا عقلاء وحمل الرسول فيه على العقل مما لا يرتضيه العقل واعتذر هو عن التخصيص بأنه وإن كان عدولا عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه إذا قام الدليل عليه وقد قام بزعمه .
وأبو منصور الماتردي ومتبعوه حملوا الآية على نفي تعذيب الاستئصال في الدنيا وذهب هؤلاء إلى تعذيب أهل الفترة بترك الإيمان والتوحيد وهم كل من كان بين رسولين ولم يكن الأول مرسلا إليهم ولا أدركوا الثاني واعتمد القول بتعذيبهم النووي في شرح مسلم فقال : إن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار وليس في هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فإن هؤلاء كانت بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل عليهم السلام والظاهر أن النووي يكتفي في وجوب الإيمان على كل أحد ببلوغه دعوة من قبله من الرسل وإن لم يكن مرسلا إليه فلا منافاة بين حكمه بأنهم أهل فترة بالمعنى السابق وحكمه بأن الدعوة بلغتهم خلافا للابي في زعمه ذلك نعم إنما تلزم المنافاة لو ادعى أن من تقدمهم من الرسل مرسل إليهم وليس فليس .
وإلى ذلك ذهب الحليمي فقال في منهاجه : إن العاقل المميز إذا سمع آية دعوة كانت إلى الله تعالى فترك الاستدلال بعقله على صحتها وهو من أهل الاستدلال والنظر كان بذلك معرضا عن الدعوة فكفر ويبعد أن يوجد شخص لم يبلغه خبر أحد من الرسل على كثرتهم وتطاول أزمان دعوتهم ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم والذين كفروا بهم وخالفوهم فإن الخبر قد يبلغ على لسان المخالف كما يبلغ على لسان الموافق ولو أمكن أن يكون لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي ولا عرف أن في العالم من يثبت إلها ولا نرى أن ذلك يكون فأمره على الاختلاف في أن الإيمان هل يجب بمجرد العقل أو لابد من انضمام النقل وهذا صريح في ثبوت تكليف كل أحد بالإيمان بعد وجود دعوة أحد من الرسل وإن لم يكن رسولا إليه وبالغ بعضهم في اعتماد ذلك حتى قال : فمن بلغته دعوة أحد من الرسل عليهم السلام بوجه من الوجوه فقصر في البحث عنها فهو كافر من أهل النار فلا تغتر بقول كثير من الناس بنجاة أهل الفترة من أخبار النبي بأن آباءهم الذين مضوا في الجاهلية في النار ا ه والذي عليه الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء أن أهل الفترة لا يعذبون وأطلقوا القول في ذلك وقد صح تعذيب جماعة من أهل الفترة وأوجب بأن أحاديثهم آحاد لا تعارض القطع بعدم التعذيب قبل البعثة وبأنه يجوز أن يكون تعذيب من صح تعذيبه منهم لأمر مختص به يقتضي ذلك علمه الله تعالى ورسوله نظير ما قيل في الحكم بكفر الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام مع صباه وقيل إن تعذيب هؤلاء المذكورين في الأحاديث مقصور على غير وبدل من أهل الفترة بما لا يعذر به كعبادة الأوثان