وهو ثبوت الشرع لأن معنى الثبوت به هو الثبوت بالأخبار عن الله تعالى حقيقة أو حكما وعلى هذا لا يتأتى الترديد الذي ذكره بقوله لأن ذلك الشرع إما أن يكون الخ فليتأمل وعن الثاني بأن وجوب الاحتراز عن العقاب ليس أمرا أجنبيا عن وجوب كذا حتى يتوجه عليه الترديد الذي ذكره بل هو نفس وجوب كذا أو لازمه فوجوبه بوجوبه فلا يلزم الترديد المذكور وعن الثالث بأنه إن أراد بقوله إن ماهية الواجب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من العقاب أن حصول الواجب في الخارج بالاتيان به إنما هو بسبب حصول الخوف فليس الكلام فيه ومع ذلك إنا لا نسلم أن الاتيان بالواجب متوقف على حصول الخوف وإن أراد أن تحقق وجوب الواجب أي تعلق وجوبه بالمكلف الذي هو التكليف التنجيزي متوقف على حصول الخوف المذكور فهو ممنوع كما هو ظاهر ا ه فتدبر .
وأنت تعلم بأن الاستدلال بالآية على تقدير تمامه لا يختص بالمعتزلة بل يشاركهم في ذلك أحد فريقي الحنفية من أهل السنة وهم الماتريدية وعامة مشايخ سمرقند لأنهم وإن لم يقولوا كالمعتزلة بأن العقل حاكم بالحسن والقبح اللذين أثبتوهما جميعا لكنهم قالوا : إن العقل آلة للعلم بهما فيخلقه الله تعالى عقيب نظر العقل نظرا صحيحا وأوجبوا الإيمان بالله تعالى وتعظيمه وحرموا نسبة ما هو شنيع إليه سبحانه حتى روي عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال : لو لم يبعث الله تعالى رسولا لوجب على الخلق معرفته وقد صرح غير واحد من علمائهم بأن العقل حجة من حجج الله تعالى ويجب الاستدلال به قبل ورود الشرع واحتجوا في ذلك بما أخبر الله تعالى به عن إبراهيم عليه السلام من قوله لأبيه وقومه إني أراك وقومك في ضلال مبين حيث قال ذلك ولم يقل أوحي إلي من استدلاله بالنجوم ومعرفة الله تعالى بها وجعلها حجة على قومه وكذلك كل الرسل حاجوا قومهم بحجج العقل كما ينبيء عنه قوله تعالى قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض الآية وبقوله تعالى ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به الآية حيث لم يقل ومن يدع مع الله إلها آخر بعد ما أوحي إليه أو بلغته الدعوة وبقوله سبحانه خبرا عن أهل النار وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير حيث أخبروا أنهم صاروا في النار لتركهم الانتفاع بالسمع والعقل .
وفيه أنهم لو انتفعوا بالعقول في معرفة الصنائع قبل ورود الشرع لم يصيروا في النار وبأن الحجج السمعية لم تكن حججا إلا باستدلال عقلي وبأن المعجزة بعد الدعوة لا تعرف إلا بدليل عقلي وآيات الأنفس والآفاق أدل على الصانع من دلالة المعجزة على أنها من الله تعالى فلما كان بالعقل كفاية معرفة المعجزة كان به كفاية معرفة الله تعالى من طريق الأولى وبأن دعاء جميع الكفرة إلى دين الإسلام واجب على الأمة ومعلوم أن الدهرية لا يحتج عليهم بكلام الله تعالى ورسوله E فلم يبق إلا حجج العقول إلى غير ذلك وحينئذ يقال لهم : لو وجب على الخلق معرفة الله تعالى والإيمان به قبل بعثة رسول لزم تعذيب الكافر قبلها لإخباره تعالى بأنه لا يغفر الشرك به وقد نفى التعذيب في الآية فلا وجوب ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم على نهج ما فعل مع المعتزلة والإمام الرازي بعد أن ضعف الاستدلال بالآية وأثبت الوجوب العقلي ذكر في الآية وجهين الأول حمل الرسول على العقل والثاني تخصيص العموم بأن يقال المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى