لا ينافي جواز العقاب ورد بأن الملازمة القائلة لو كان الوجوب ثابتا قبل الشرع لعذب تارك الواجب وإن كانت مسلمة حينئذ لكن بطلان التالي ممنوع لأن الآية إنما تدل على نفي وقوع العذاب لا على نفي جوازه .
وفيه معنى ما كنا معذبين ما سمعت وهو يدل على نفي الجواز وقد كثر استعمال هذا التركيب في ذلك كقوله تعالى : وما كنا ظالمين وما كنا لاعبين إلى غير ذلك ولو أريد نفي الوقوع لقيل وما نعذب حتى نبعث رسولا .
وضعف الإمام الاستدلال بالآية بأنه لو لم يثبت الوجوب العقلي لم يثبت الوجوب الشرعي البتة وهذا باطل فذاك باطل قال : بيان الملازمة من وجوه أحدها أنه إذا جاء الشارع وادعى كونه نبيا من عند الله تعالى وأظهر المعجزة فهل يجب على المستمع استماع قوله والتأمل في معجزته أو لا يجب فإن لم يجب فقد بطل القول بالنبوة وإن وجب فإما أن يجب بالشرع أو بالعقل فقد ثبت الوجوب العقلي وإن وجب بالشرع فهو باطل لأن ذلك الشارع إما أن يكون هو ذلك المدعي أو غيره والأول باطل لأنه يرجع حاصل الكلام إلى أن يقول ذلك الرجل الدليل : على أنه يجب قبول قولي أني أقول يجب قبول قولي وهذا إثبات للشيء بنفسه وإن كان غيره كان الكلام فيه كما في الأول ولزم إما الدور أو التسلسل وهما محالان وثانيهما أن الشرع إذا جاء وأوجب بعض الأفعال وحرم بعضها فلا معنى للإيجاب والتحريم إلا أن يقول لو تركت كذا أو فعلت كذا لعاقبتك فنقول : إما لأن يجب بالعقل أو بالسمع فإن وجب بالعقل فهو المقصود وإن وجب بالسمع لم يتقرر معنى الوجوب إلا بسبب ترتيب العقاب عليه وحينئذ يعود التقسيم الأول ويلزم التسلسل وهو محال .
وثالثها أن مذهب أهل السنة أنه يجوز من الله تعالى العفو عن العقاب على ترك الواجب وإذا كان كذلك كانت ماهية الوجوب حاصلة مع عدم العقاب فلم يبق إلا أن يقال : إن ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من العقاب وهذا الخوف حاصل بمحض العقل فثبت أن ماهية الوجوب إنما تحصل بسبب هذا الخوف وإن هذا الخوف حاصل بمجرد العقل فلزم أن يقال : الوجوب حاصل بمجرد العقل فإن قالوا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الذم قلنا : إنه تعالى إذا عفا فقد سقط الذم فعلى هذا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم وذلك حاصل بمحض العقل فثبت بهذه الوجوه أن الوجوب العقلي لا يمكن دفعه ا ه .
وتعقبه العبادي بأنه يمكن الجواب عن الأول بأنه إذا أظهر المعجزة على دعواه أنه رسول ثبت صدقه كما تقرر في محله فيجب قبول قوله في كل ما يخبر عن الله تعالى من غير لزوم محذور من إثبات الشيء بنفسه أو الدور أو التسلسل وإن كان ثبوت ما أخبر بالشرع بمعنى أن ثبوته بإخبار من ثبتت رسالته بالمعجزة عن الله تعالى بذلك وليس حاصل الكلام على هذا أنه يقول : الدليل على أنه يجب قبول قولي أن أقول يجب قولي حتى يلزم ما يلزم بل حاصله أنه يقول : يجب قبول قولي لأنه ثبت أني رسول الله تعالى فيجب صدقي وتصديقي في كل ما أدعيه وليس في هذا شيء من المحاذير السابقة وقد صرح السيد السند في شرح الواقف بأنه يثبت الشرع وتجب المتابعة بمجرد دعوى الرسالة مع اقتران المعجزة وتمكن المبعوث إليه العاقل من النظر وإن لم ينظر وذكر أنه حينئذ لا يجوز للمكلف الاستمهال ولو استمهل لم يجب الامهال لجريان العادة بإيجاب العلم عقيب النظر الذي هو متمكن منه فعلم أنه بمجرد دعوى الرسالة مع ما ذكر يثبت الوجوب بإخباره