يصرح بذلك العامل إيماء إلى أنه ليس بكفر حقيقة .
واستدل بالآية على أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار ليس ركنا فيه كما قيل واعترض بأن من جعله ركنا لم يرد أنه ركن حقيقي لا يسقط أصلا بل أنه دال على الحقيقة التي هي التصديق إذ لا يمكن الإطلاع عليها فلا يضره عند سقوطه لنحو الإكره والعجز فتأمل .
ولكن من شرح بالكفر صدرا أي اعتقده وطاب به نفسا و صدرا على معنى صدره إذ البشر في عجز عن شرح غيره ونصبه كما قال الإمام على أنه مفعول به لشرح وجوز بعضهم كونه على التمييز و من إما شرطية أو موصولة لكن إذا جعلت شرطية قال أبو حيان لا بد من تقدير مبتدأ قبلها لأن لكن لا تليها الجمل الشرطية والتقدير هنا ولكن هم من شرح بالكفر صدرا أي منهم ومثله قوله : .
ولكن متى تسترفد القوم أرفد .
أي ولكن أنا متى تسترفد الخ وتعقب بأنه تقدير غير لازم وقوله تعالى : فعليهم غضب جواب الشرط على تقدير شرطية من وهي على التقديرين مبتدأ وهذا خبرها على تقدير الموصولية وكذا على تقدير الشرطية في رأي والخلاف مشهور وجعله بعضهم خبرا لمن هذه ولمن الأولى للإتحاد في المعنى إذ المراد بمن كفر النصف الشارح بالكفر صدرا وتعقبه في البحر بأن ههنا جملتين شرطيتين وقد فصل بينهما بأداة الإستدراك فلا بد لكل واحدة منهما من جواب على حدة فتقدير الحذف أحرى في صناعة الإعراب .
وقد ضعفوا مذهب أبي الحسن في إدعائه أن قوله تعالى : فسلام لك من أصحاب اليمين وقوله سبحانه : فروح وريحان جواب لأما ولأن هذا وهما أداتا شرط تلي إحداهما الأخرى ويبعد بهذا عندي جعله خبرا على تقدير الموصولة والإستدراك من الإكراه على ما قيل ووجه بأن قوله تعالى : إلا من أكره يوهم أن الكره مستثنى مما تقدم وقوله سبحانه : وقلبه مطمئن بالإيمان لا ينفي ذلك الوهم فاحتيج إلى الإستدراك لدفعه وفيه بحث ظاهر وقيل : المراد مجرد التأكيد كما في نحو قولك : لو جاء زيد لأكرمتك لكنه لم يجيء وأنت تعلم ما في ذلك فتأمل جدا وتنوين غضب للتعظيم أي غضب عظيم لا يكتنه كنهه كائن من الله جل جلاله ولهم عذاب عظيم .
106 .
- لعظم جرمهم فجوزوا من جنس عملهم وفي اختيار الاسم الجليل من تربية المهابة وتقوية تعظيم العذاب ما فيه والجمع في الضميرين المجرورين لمراعاة جانب المعنى كما أن الإفراد المستكن في الصلة لرعاية جانب اللفظ روي أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسر وسمية على الإرتداد فأبوا فربطوا سمية بين بعيرين ووجيء بحربة في قبلها وقالوا إنما أسلمت من أجل الرجال فقتلوها وقتلوا ياسر وهما أول قتيلين في الإسلام وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه فقيل يا رسول الله إن عمارا كفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله E وهو يبكي فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يمسح عينيه وقال : مالك إن عادوا فعد لهم بما قلت وفي رواية أنهم أخذوه فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله عليه الصلاة والصلام قال : ما وراءك قال : شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم 15