وغيره بأنه يقتضي أن لا يفتري الكذب إلا من بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقا وهم أكثر المفترين وأيضا البدل هو المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار أصليون ووجه ذلك الطيبي بأن يراد بقوله تعالى : من بعد إيمانه من بعد تمكنه منه كقوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى وذكر أن فيه ترشيحا لطريق الإستدراج وتحسيرا لهم على ما فاتهم من التصديق وما اقترفوه من نسبة الصلاة والسلام إلى الإفتراء وفيه كما في الكشف أن قوله سبحانه : إلا من أكره لا يساعد عليه وحمل التمكن منه على ما هو أعم من التمكن في إحداثه وبقائه لا يخفى ما فيه وقال المدقق : الأولى في التوجيه أن يجعل المعنى من وجد الكفر فيما بينهم تعبيرا على الإرتداد أيضا وأن من وجد فيهم هذه الخصلة لا يبعد منهم الإفتراء ويجعل ذلك ذريعة إلى أن ينعى عليهم ما كانوا يفعلونه مع المؤمنين من المثلة ويدمج فيه الرخصة بإجراء كلمة الكفر على اللسان على سبيل الإكراه وتفاوت ما بين صاحب العزيمة والرخصة ولا يخفى ما فيه أيضا وأنه غير ملائم لسبب النزول وقال الخفاجي : لك أن تقول : الأقرب أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف وأن هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال : إن الشمس غير طالعة في يوم صاح هذا ليس بكذب لأن الكذب يصدر فيما قد تقلبه العقول ويكون هذا على تقدير أن يكون المراد في لا يهديهم الله لا يهديهم إلى الحق فالله تعالى لما يهديهم إلى الحق والصدق وختم على حواسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أجل من أن يسمى كذبا وإنما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة فتكون الآية الأولى للرد على قريش صريحا والأخرى دلالة على أبلغ وجه انتهى ولعمري إنه نهاية في التكلف ومثل هذا الإبدال الإبدال من أولئك والإبدال من الكاذبون وقد جوزهما الزمخشري أيضا وجوز الحوفي الأخير أيضا ولم يجوز الزجاج غيره .
وجوز غير واحد كون من شرطية مرفوعة المحل على الإبتداء واستظهره في البحر والجواب محذوف لدلالة الآتي عليه كما سمعت في الوجه الأول والكلام في خبر من الشرطية مشهور وظاهر صنيع الزمخشري اختيار الإبدال وهو عندي غريب منه وفي الكشف أن كون من شرطية مبتدأ وجه ظاهر السداد إلا أن الذي حمل جار الله على إيثار كون من بدل طلب الملاءمة بين أجزاء النظم الكريم لا أن يكون ابتداء بيان حكم ولا يخفى ما في العذر من الوهن والظاهر أن استظهار من أكره أي على التلفظ بالكفر بأمر يخاف منه على نفسه أو عضو من أعضائه ممن كفر استثناء متصل لأن الكفر التلفظ بما يدل عليه سواء طابق الإعتقاد أو لا .
قال الراغب : يقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر ويقال إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد فيدخل هذا المستثنى في المستثنى منه المذكور وقيل : مستثنى من الخبر الجواب المقدر وقيل : مستثنى مقدم من قوله تعالى فعليهم غضب وليس بذاك والمراد إخراجه من حكم الغضب والعذاب أو الذم وقوله سبحانه : وقلبه مطمئن بالإيمان حال من المستثنى والعامل كما في إرشاد العقل السليم هو الكفر الواقع بإلاكراه لا نفس الإكراه لأن مقارنة اطمئنان القلب بالإيمان للإكراه لا تجدي نفعا وإنما مقارنته للكفر والواقع به إلا من كفر بإكراه أو إلا من أكره فكفروا والحال أن قبله مطمئن بالإيمان لم يتغير عقيدته وأصل معنى الإطمئنان سكون بعد انزعاج والمراد هنا السكون والثبات على ما كان عليه بعد إزعاج الإكراه وإنما لم