الذين لا يهديهم الله تعالى لا يؤمنون بآياته ولكنه قدم وأخر تتميما لتقبيح حالهم وللتشنيع بخطئهم كما في قوله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ويؤدي مؤدي التقديم والتأخير ما ذكره الجلبي أولا والأكثر لا يخلوا عن دغدغة .
وقال القاضي : أقوى ما قيل في الآية ما ذكر أولا وكونه تفسيرا للمعتزلة مناسبا لأصولهم فيه نظر وأياما كان فالمراد من الآية التهديد والوعيد لأولئك الكفرة على ما هم عليه من الكفر بآيات الله تعالى ونسبة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الإفتراء والتعلم من البشر بعد إماطة شبهتهم ورد طعنهم وقوله سبحانه : إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله تمهيد لكونهم هم المفترين وقلب عليهم بعد أن حقق بالبيان البرهاني براءة ساحته صلى الله عليه وسلّم عن لوث الإفتراء وقوله تعالى : وأولئك هم المكذبون .
105 .
- إشارة إلى قريش القائلين : إنما أنت مفتر وهو تصريح بعد التعريض ليكون كالوسم عليهم وهذا الأسلوب أبلغ من أن يقال : أنتم معشر قريش مفترون لما أشير إليه وإقامة الدليل على أنهم كذلك وأن من زنوه به لا يجوز أن يتعلق بذليله نشب منه أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يرتقب عقابا عليه وقريش كذلك فهم الكاذبون أو إشارة إلى الذين لا يؤمنون فيستمر الكلام على وتيرة واحدة والمعنى أن الكاذب بالحقيقة هذا الكاذب على ما قرروه في قوله تعالى : وأولئك هم المفلحون واللام للجنس وهو شهادة عليهم بالكمال في الإفتراء فالكذب في الحقيقة مقيد بالكذب بآيات الله تعالى و وأطلق أشعارا لا يكذب فوقه ليكون كالحجة على كمال الإفتراء أو الكذب غير مقيد على هذا الوجه على معنى أنهم الذين عادتهم الكذب فلذلك اجترؤا على تكذيب آيات الله تعالى دلالة على أن ذلك لا يصدر غلا ممن لهج بالكذب قيله ويدل على اعتبار هذا المعنى التعبير بالجملة الإسمية ولذا عطفت على الفعلية وفيه قلب حسن وإشارة إلى ان قريشا لما كان من عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله تعالى ومن أتى بها ثم لم يرضوا بذلك حتى نسبوا من شهدوا بالأمانة والصدق إلى الإفتراء .
وموضع الحسن الإيماء إلى سبق حالتي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش أو الكذب مقيد على هذا الوجه أيضا بما نسبوا إليه E من الإفتراء و الذين لا يؤمنون على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضار لذلك وهذا الوجه جوح بالنسبة إلى السوابق وقد ذكر هذه الأوجه صاحب الكشاف وقد حررها بما ذكر المولى المدقق في كشفه والحصر في سائرها غير حقيقي ولا استدراك في الآية لا سيما على الأول منها وهي من الكلام المنصف في بعضها وتعلقها بقوله سبحانه حكاية عنهم : إنما أنت مفتر لأنها كما سمعت لرده وتوسيط ما وسط لما لا يخفى من شدة اتصاله بالرد الأول من كفر بالله أي بكلمة الكفر من بعد إيمانه به تعالى وهذا بحسب الظاهر ابتداء كلام لبيان حال من كفر بآيات الله تعالى بعد ما آمن بها بعد بيان حال من لم يؤمن بها رأسا و من موصولة محلها الرفع على الإبتداء والخبر محذوف لدلالة فعليهم غضب الآتي عليه وحذف مثل ذلك كثير في الكلام وجوز أيضا الرفع وكذا النصب على القطع لقصد الذم أي هم أو أذم من كفر والقطع للذم والمدح وإن تعورف في النعت و من لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل وقد نص عليه سيبويه نعم قال أبو حيان : إن النصب على الذم بعيد وأجاز الحوفي والزمخشري كونها بدلا من الذين لا يؤمنون بآيات الله وقوله تعالى : وأولئك هم الكاذبون اعتراض بينهما واعترضه أبو حيان