وتقديم الأولى على الثانية التي هي بمقابلة الصلة الأولى فيما سلف لرعاية المقارنة بينها وبين ما يقابلها من التوكل على الله تعالى ولو روعي الترتيب السابق لانفصل كل من القرينتين عما يقابلها أه وقيل : لما كان كل من الإيمان والتولي منشأ لما بعده قدم عليه وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل وإذا بدلنا آية مكان آية أي إذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها والظاهر على ما في البحر أن المراد نسخ اللفظ والمعنى ويجوز أن يراد نسخ المعنى مع بقاء اللفظ والله أعلم بما ينزل من المصالح فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة فإن كل وقت له مقتضى غير مقتضى الآخر فكم من مصلحة تنقلب مفسدة في وقت آخر لانقلاب الأمور الداعية إليها ونرى الطبيب الحاذق قد يأمر المريض بشربة ثم بعد ذلك ينهاه عنها ويأمره بضدها وما الشرائع إلا مصالح للعباد وأودية لأمراضهم المعنوية فتختلف حسب اختلاف ذلك في الأوقات وسبحان الحكيم العليم والجملة إما معترضة لتوبيخ الكفرة والتنبيه عن فساد رأيهم وفي الإلتفات إلى الغيبة مع الإسناد إلى الاسم الجليل ما لا يخفى من تربية المهابة وتحقيق معنى الإعتراض أو حالية كما قال أبو البقاء وغيره وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ينزل من الإنزال قالوا أي الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ إنما أنت مفتر متقول على الله تعالى تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه وقد بالغوا قاتلهم الله تعالى في نسبة الإفتراء لإلى حضرة الصادق المصدوق صلى الله تعالى عليه وسلم حيث وجهوا الخطاب إليه E وجاؤا بالجملة الإسمية مع التأكيد بإنما وحكاية هذا القول عنهم ههنا للإيذان بأنه كفرة ناشئة من نزعات الشيطان وأنه وليهم وفي الكشف أن وجه ذكره عقيب الأمر بالإستعاذة عند القراءة أنه باب عظيم من أبوابه يفتن به الناقصين يوسوس إليهم البداء والتضاد وغير ذلك بل أكثرهم لا يعلمون .
101 .
- أي لا يعلمون شيئا أصلا أو لا يعلمون أن التبديل المذكور حكما بالغة وإسناد هذا الحكم إلى أكثرهم لما أن منهم من يعلم ذلك وإنما ينكر عنادا والآية دليل على نسخ القرآن بالقرآن وهي ساكنة عن نفي نسخه بغير ذلك مما فصل في كتب الأصول قل نزله أي القرآن المدلول عليه بالآية وقال الطبرسي : أي الناسخ المدلول عليه بما تقدم روح القدس يعني جبريل عليه السلام وأطلق عليه ذلك من حيث أنه ينزل بالقدس من الله تعالى أي مما يطهر النفوس من القرآن والحكمة والفيض الإلهي وقيل : لطهره من الأدناس البشرية والإضافة عند بعض للإختصاص كما في رب العزة وجعلها بعض المحققين من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس القدس مبالغة نحو خبر سوء ورجل صدق على ما ارتضاه الرضي ومثل ذلك حاتم الجود وسحبان الفصاحة وخالف في ذلك صاحب الكشف مختارا أنها للإختصاص ولا يخفى ما في صيغة التفعيل بناء على القول بأنها تفيد التدريج من المناسبة لمقتضى المقام لما فيها من الإشارة إلى أنه أنزل دفعات على حسب المصالح من ربك في إضافة الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلّم من الدلالة على تحقيق إفاضة آثار الربوبية عليه E ما ليس في لإضافته إلى المتكلم المنبئة عن التلقين المحض كما في إرشاد العقل السليم وكأنه اعتناء بأمر هذه الدلالة لم يقل من ربكم على أن في ترك خطابهم من حط قدرهم ما فيه و من لابتداء الغاية مجازا بالحق أي ملتبسا بالحكمة المقتضية له بحيث لا يفارقها ناسخا كان أو منسوخا ليثبت الذين ءامنوا أي على الإيمان بما يجب الإيمان لما فيه