العليم من الشيطان الرجيم إن الذين جاؤا بالإفك الآية وأخرجا عن سعيد أنه قال كان رسول الله E إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم الخ وبذلك أخذ من استعاذ كذلك وفي الهداية الأولى أن يقول : أستعيذ بالله ليوافق القرآن ويقرب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أه والمختار ما سمعت أولا لأن لفظ أستعذ طلب العوذ وقوله : أعوذ امتثال مطابق لمقتضاه والقرب من اللفظ مهدر ويكفي لأولوية ما عليه الجمهور مج في المأثور : وقال بعض أصحابنا لا ينبغي أن يزيد المتعوذ السميع العليم لأنه ثناء وما بعد التعوذ محل القراءة ومحل الثناء وفيه أن هذا بعد تسليم الخبرين السابقين غير سديد على أنه ليس في ذلك إتيان بالثناء بعد التعوذ بل إتيان به في أثنائه كما لا يخفى والأمر بها للندب عندهم وأخرج عبد الرزاق المصنف وابن المنذر عن عطاء وروي عن الثوري أنها واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها لهذه الآية فحملا الأمر فيها على الوجوب نظرا إلى أنه حقيقة فيه وعدم صلاحية كونها لدفع الوسوسة في القراءة صارفا عنه بل يصح شرع الوجوب معه وأجيب بأنه خلاف الإجماع ويبعد منهما أن يبتدعا قولا خارقا من بعد علمهما بأن ذلك لا يجوز فالله تعالى أعلم بالمصارف على قول الجمهور وقد يقال : هو تعليمه صلى الله تعالى عليه وسلم الأعرابي الصلاة ولم يذكرها E .
وقد يجاب بأن تعليمه إياها بتعليمه ما هو من خصائصها وهي ليست من واجباتها بل من واجبات القراءة أو إن كونها تقال عند القراءة كان ظاهرا معهودا فاستغنى عن ذكرها وفيه أنه لا يتأتى على ما ستسمع قريبا إن شاء الله تعالى من قول أبي يوسف عليه الرحمة وقال الخفاجي : إن حمل الأمر على الندب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلّم لها وإذا ثبت هذا كفى صارفا ومذهب ابن سيرين والنخعي وهو أحد قولي الشافعي أنه مشروعة في القراءة في كل ركعة لأن الأمر معلق على شرط فيتكرر بتكرره كما في قوله تعالى : وإن كنتم جنبا فاطهروا وأيضا حيث كانت مشروعة في الركعة الأولى فهي مشروعة في غيرها من الركعات قياسا للإشتراك في العلة ومذهب أبي حنيفة وهو القول الآخر للشافعي أنها مشروعة في الأولى فقط لأن قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة وقيل : إنها عند الإمام أبي حنيفة للصلاة ولذا لا تكرر والمذكور في الهداية وغيرها أنها عند الإمام ومحمد للقراءة دون الثناء حتى يأتي بها المسبوق دون المقتدي وقال أبو يوسف : إنها للثناء وفي الخلاصة أنه الأصح وتظهر ثمرة الخلاف في ثلاثة مسائل ذكرت فيها فما ذكره صاحب القيل لم نعثر عليه في كتب الأصحاب ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في غيرها كقيام رمضان والمروي عنه في غير الصلاة فيما سمعت من بعض مقلديه وعن أبي هريرة وابن سيرين وابن داود وحمزة من الفراء أن الإستعاذة عقب القراءة أخذا بظاهر الآية .
وللجمهور ما رواه أئمة القراءة مسندا عن نافع عن جبير بن مطعم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول قبل القراءة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : قال في الكشف دل الحديث على أن التقديم هو السنة فبقي سببية القراءة لها والفاء في فاستعذ دلت على السببية فلتقدر الإرادة ليصح وأيضا الفراغ عن العمل لا يناسب الإستعاذة من العدو وإنما يناسبها الشروع فيه والتوسط فلتقدر ليكونا أي القراءة والإستعاذة مسببتين عن سبب واحد لا يكون بينهما مجرد الصحبة الإتفاقية التي تنافيها الفاء وإليه أشار صاحب المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة انتهى .
ومنه يعلم أن ما قيل من أن الفاء لا دلالة فيها على ما ذكر وأن إجماعهم على صحة هذا المجاز يدل على أن القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ليس بشرط فيه ليس بشيء وكذا القول بالفرق بين هذه الآية وقوله