العدل بالتوحيد فسر الإحسان بإداء الفرائض وفيه اعتبار الإحسان متعديا بنفسه وقيل : العدل أن ينصف وينتصف والإحسان أن ينصف ولا ينتصف وقيل : العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال .
وإيتايء ذي القربى أي إعطاء الأقارب حقهم من الصلة والبر وهذا داخل في العدل أو الإحسان وصرح به اهتماما بشأنه والظاهر أن المراد بذي القربى ما يعمم سائر الأقارب سواء كانوا من جهة الأم أو من جهة الأب وهذا هو المراد بذوي الأرحام الذين حث الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم على صلتهم على الأصح وقيل : ذوو الأرحام الأقارب من جهة الأم وذكر الطبرسي أن المروي عن جعفر أن المراد من ذي القربي هنا قرابته صلى الله تعالى عليه وسلم المرادون في قوله سبحانه : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى .
وينهى عن الفحشاء الإفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنا مثلا وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الفحشاء به ولعله تمثيل لا تخصيص والمنكر ما ينكر على متعاطيه من الإفراط في إظهار القوة الغضبية وعن ابن عباس ومقاتل تفسيره بالشرك وعن ابن السائب أنه ما وعد عليه بالنار وعن ابن عيينة أنه مخالفة السريرة للعلانية وقيل : ما لا يوجب الحد في الدنيا لكن يوجب العذاب في الآخرة .
وقال الزمخشري : ما تنكره العقول وتعقبه ابن المنير فقال : إنه لفتة إلى الإعتزال ولو قال : المنكر ما أنكره الشرع لوافق الحق لكنه لا يدع بدعة المعتزلة في التحسين والتقبيح بالعقل وقال في الكشف بعد قوله : ما تنكره العقول أي بعد رده إلى قوانين الشرع فالإنكار بالعقل بالضرورة وإنما الخلاف في مأخذه والمقصود أن ما يمكن أن يجري على المذهبين لا يحق المحاقة فيه وهو كالتعريض بابن المنير واستظهر أبو حيان أن المنكر أعم من الفحشاء قال : لاشتماله على المعاصي والرذائل وعلى أولا الأمر كذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى والبغي الإستعلاء والإستيلاء على الناس والتجهيز عليهم وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانية التي هي حاصلة من رذيلتي القوتين المذكورتين الشهوانية والغضبية وأصل معنى البغي الطلب ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان ومن ثم فسر بما فسر وبذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وتخصيص كل من المتعاطفات الثلاثة المنهي عنها بالإشارة إلى قوة من القوى الثلاث مما ذهب إليه غير واحد .
واعترض بأن ذلك مما لا دليل عليه وقال بعضهم : المنكر أعم الثلاثة باعتبار أن المراد به ما ينكره الشرع وقبحه من الأقوال أو الأفعال سواء عظم قبحه ومفسدته أم لا وسواء كان متعديا إلى الغير أم لا وأن المراد بالفحشاء ما عظم قبحه من ذلك ومنه قيل لمن عظم قبحه في البخل فاحش وعلى ذلك حمل الراغب قول الشاعر : أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد والبغي التطاول بالظلم والعدوان ففي الآية عطف العام على الخاص وعطف الخاص على العام وقيل : المراد بالفحشاء مقابل العدل ويفسر بما خرج عن سنن الإعتدال إلى جانب الإفراط وبالمنكر ما يقبل ما فيه الإحسان ويفسر بما أتي به على غير اللائق بل على وجه ينكر ويستقبح بالبغي ما يقابل إيتاء ذي القربى