ما يعم الإجمال والتفصيل مع اعتبار مراتب المبين لهم واعتبر التوزيع جاز أيضا فليتدبر ونصب تبيانا على الحال كما قال أبو حيان .
وجوز أن يكون مفعولا من أجله أي نزلنا عليك الكتاب لأجل التبيان وهدى ورحمة للجميع بقرينة قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وحرمان الكفرة من جهة تفريطهم وبشرى للمسلمين .
89 .
- خاصة وجوز صرف الجميع لهم لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنه الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة .
إن الله يأمر أي فيما نزله عليك تبيانا لكل شيء وإيثار صيغة الإستقبال فيه وفيما بعده لإفادة التجدد والإستمرار بالعدل أي بمراعاة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وهو رأس الفضائل كلها يندرج تحته فضيلة العقلية الملكية من الحكمة المتوسطة بين الجربزة والبلادة وفضيلة القوة الشهوية البهيمية من العفة المتوسطة بين الخلاعة والجمود وفضيلة القوة الغضبية السبعية من الشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن .
فمن الحكم الإعتقادية التوحيد المتوسط بين التعطيل ونفي الصنائع كما تقوله الدهرية والتشريك كما تقوله الثنويه والوثنية وعليه اقتصر ابن عباس في تفسير العدل على ما رواه عنه البيهقي في الأسماء والصفات وابن جرير وابن المنذر وغيرهم وضم إليه بعضهم القول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر ومن الحكم العملية التعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة وترك العمل لزعم أنه لا فائدة فيه إذ الشقي والسعيد متعينان في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب بترك المباحات تشبيها بالرهبان ومن الحكم الخلقية الجود المتوسط بين البخل والتبذير وعن سفيان بن عيينة أن العدل استواء السريرة والعلانية في العمل وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي : صف لي العدل فقلت بخ سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أبا ولكبيرهم ابنا وللمثل منهم أخا وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتكون من العادين ولعل اختبار ذلك لأنه الأوفق بمقام السائل وإلا فما تقدم في تفسيره أولى والإحسان أي إحسان الأعمال والعبادة أي الإتيان بها على الوجه اللائق وهو إما بحسب الكيفية كما يشير إليه ما رواه البخاري من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أو بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل الجابرة لما في الواجبات من النقص وجوز أن يراد بالإحسان الإحسان المتعدي بإلى لا المتعدي بنفسه فإنه يقال : أحسنه وأحسن إليه أي الإحسان إلى الناس والتفضل عليهم فقد أخرج ابن النجار في تاريخه من طريق العكلي عن أبيه قال : مر علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بقوم يتحدثون فقال : فيم أنتم فقالوا : نتذاكر المروة فقال : أو ما كفاكم الله D ذاك في كتابه إذ يقول : إن الله يأمر بالعدل والإحسان فالعدل الإنصاف والإحسان التفضل فما بقي بعد هذا وأعلى مراتب الإحسان على هذا الإحسان إلى المسيء وقد أمر به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم E : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك وابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعدما فسر