ألوانه باختلاف التمرات فيه شفاء للناس لكل مريض المحبة وسقيم الألفة ولديغ الشوق وقيل بالإشارة بالنحل إلى الذين هم في مباديء السلوك من أرباب الإستعداد ومن هنا قال الشيخ الأكبر قدس سره في مولانا ابن الفارض قدس سره حين سئل عنه : نحلة تدندن حول الحمى أمرهم الله تعالى أولا أن يتخذوا مقار من العقائد الدينية التي هي كالجبال في الرسوخ الثبات ومن العبادات الشرعية التي هي كالشجر في التعشب ومن المعاملات المرضية التي هي كالعروش في الإرتفاع ثم يسلكوا سبله سبحانه وطرقه الموصلة إليه جل شأنه من تهذيب الباطن والمراقبة والفكر ونحو ذلك متذللين خاضعين غير معجبين وفي ذلك إشارة إلى أن السلوك إنما يصح بعد تصحيح العقائد ومعرفة الأحكام الشرعية ليكون السالك على بصيرة في أمره وإلا فهو كمن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء ومتى سلك على ذلك الوجه حصل له الفوز بالمطلوب وتفجرت ينابيع الحكمة من قلبه وصار ما يقذف به قلبه كالعسل شفاء من علل الشهوات وأمراض النفس لا سيما مرض التثبط والتكاسل عن العبادة وهو المرض البلغمي .
وقال أبو بكر الوراق : النحلة لما اتبعت الأمر وسلكت سبل ربها على ما أمرت به جعل لعابها شفاء للناس كذلك المؤمن إذا اتبع الأمر وحفظ السر وأقبل على ربه D جعل رؤيته وكلامه ومجالسته شفاء للخلق فمن نظر إليه اعتبر ومن سمع كلامه اتعظ ومن جالسه سعد انتهى وفي الآية إشارة إلى أنه تعالى قد يودع الشخص الحقير الشيء العزيز فإنه سبحانه أودع النحل وهي من أحقر الحيوانات وأضعفها العسل وهو من ألذ المذوقات وأحلاها فلا ينبغي التقيد بالصور والإحتجاب بالهيآت وفي الحديث رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأدبره وعن يعسوب المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال والله فضل بعضكم على بعض في الرزق قيل : الإشارة فيه إلى تفاوت أرزاق السالكين فرزق بعضهم طاعات وبعض آخر مقامات وبعض حالات وبعض مكاشفات وبعض مشاهدات وبعض معرفة وبعض محبة وبعض توحيد إلى غير ذلك وذكروا أن رزق الأشباح العبودية ورزق الأرواح رؤية أنوار الربوبية ورزق العقول الأفكار ورزق القلوب الإذكار ورزق الأسرار حقائق العلوم الغيبية المكشوفة لها في مجالس القرب ومشاهدة الغيب فلا تضربوا لله الأمثال لتقدسه تعالى عن الأوهام والإشارات والعبارات وتنزهه سبحانه عن درك الخليقة فإن الخلق لا يدرك إلا خلقا ولذا قال علي كرم الله تعالى وجهه : إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها فلا يعرف الله تعالى إلا الله D وعلل النهي بقوله تعالى : إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ضرب الله مثلا عبدا مملوكا محبا لغير الله تعالى ولا شك أن المحب أسير بيد المحبوب لا يقدر على شيء لأنه مقيد بوثاق المحبة ومن رزقناه منا رزقا حسنا فجعلناه محبا لنا مقبلا بقلبه علينا متجردا عما سوانا وآتيناه من لدنا علما فهو ينفق منه سرا وذلك من النعم الباطنة وجهرا وذلك من النعم الظاهرة وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا استعداد فيه للنطق وهو مثل المشرك لا يقدر على شيء لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللازم لاستعداده وهو كل على مولاه لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجة أينما يوجهه لا يأت بخير لعدم استعداده وشرارته بالطبع فلا يناسب إلا الشر الذي هو العدم هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو الموحد القائم بالله تعالى الفاني عن غيره والعدل على ما قيل : ظل الوحدة في عالم الكثرة وهو على سراط مستقيم صراط العزيز الحميد الذي عليه خاصته تعالى من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لأهل الحقيقة يمرون عليه كالبرق اللامع ولله غيب السماوات والأرض علم مراتب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أو ما خفى فيهما من أمر