جل وعلا والأفئدة لتقلوا بها معاني الأشياء التي جعلها سبحانه دلائل لكم والسمع والأبصار على هذين القولين على ظاهرهما ولم نر من جوز إخراجهما عن ذلك .
وجوز أن يراد بهما الحواس الظاهرة على الأول والأفئدة جمع فؤاد وهو وسط القلب كالقلب من الصدر وهذا الجمع على ما في الكشاف من جموع القلة الجارية مجرى الكثرة والقلة إذ لم يرد في السماع غيرها كما جاء شسوع في جمع شسع لا غير فجرى ذلك المجرى وقال الزجاج : لم يجمع فؤاد على أكثر العدد وربما قيل : أفئدة وفئدان كما قيل : أغربة وغربان في جمع غراب وفي التفسير الكبير لعل الفؤاد إنما جمع على بناء القلة تنبيها على أن السمع والبصر كثير وأما الفؤاد فقليل لأنه إنما خلق للمعارف الحقيقية والعلوم اليقينية وأكثر الخلق ليس لهم ذلك بل يكونون مشتغلين بالأفعال البهيمية والصفات السبعية فكأن فؤادهم ليس بفؤاد فلذا ذكر في جمعه جمع القلة أه ويرد عليه الإبصار فإنه جمع قلة أيضا وفي البحر بعد نقله أنه قول مذياني ولولا جلالة قائله لم نسطره في الكتب وإنما يقال في هذا ما قاله الزمخشري مما ذكر سابقا إلا أن قوله : لم يجيء في جمع شسع إلا شسوع ليس بصحيح بل جاء فيه اشساع جمع قلة على قلة أه فاحفظ ولا تغفل .
وزعم بعضهم أن الفؤاد إنما يدرك ما ليس بمحدود بنو أين وكيف وكم وغير ذلك وإن لكل مدرك قوة مدركة له تناسبه لا يمكن أن يدرك بغيرها على نحو المحسوسان الظاهرة من الأصوات والأوان والطعوم ونحوها والحواس الظاهرة من السمع والبصر والذوق إلى غير ذلك وهو كما ترى .
وإفراد السمع باعتبار أنه مصدر في الأصل وقيل : إنما أفرد وجمع الإبصار للإشارة إلى أن مدركاته نوع واحد ومدركات البصر أكثر من ذلك وتقديمه لما أنه طريق تلقي الوحي أو لأن إدراكه أقدم من إدراك البصر وقيل : لأن مدركاته أقل من مدركاته والخلاف في الأفضل منهما شهير وقد مر وتقديمها على الأفئدة المشار بها إلى العقل لتقدم الظاهر على الباطن أو لأن لهما مدخلا في إدراكه في الجملة بل هما من خدمه والخدم تتقدم بين يدي السادة وكثير من السنن أمر بتقديمه على فروض العبادة أو لأن مدركاتهما أقل قليل بالنسبة إلى مدركاته كيف لا ومدركاته لا تكاد تحصى وإن قيل : إن للعقل حدا ينتهي إليه كما أن للبصر حدا كذلك واستأنس بعضهم بذكر ما يشير إليه فقط دون ضم ما يشير إلى سائر المشاعر الباطنية إليه لنفي الحواس الخمس الباطنة التي أثبتها الحكماء بما لا يخلو عن كدر وتفصيل الكلام في محله لعلكم تشكرون .
78 .
- كي تعرفوا ما أنعم سبحانه عليكم طورا غب طور فتشكروه وقيل : المعنى جعل ذلك كي تشكروه تعالى باستعمال ما ذكر فيما خلق لأجله ألم يروا وقرأ حمزة وابن عامر وطلحة والأعمش وابن هرمز ألم تروا بالتاء الفوقية على أنه خطاب العامة والمراد بهم جميع الخلق المخاطبون قبل في قوله تعالى : والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا على أن المخاطب من وقع في قوله تعالى : ويعبدون من دون الله بتلوين الخطاب لأنه المناسب للإستفهام الإنكاري ولذا جعل قراءة الجمهور بياء الغيبة باعتبار غيبة يعبدون ولم يجعلوا ذلك التفاتا وحينئذ فالإنكار باعتبار اندراجهم في العامة والرؤية بصرية أي ألم ينظروا إلى الطير جمع طائر كركب وراكب ويقع على الواحد أيضا وليس بمراد ويقال في الجمع أيضا طيور وأطيار مسخرات مذللات للطيران وفيه إشارة إلى أن طيرانها ليس بمقتضى طبعها