ذلك ما قاله الشيخ من أن الطفل يتعلق بالثدي حال التولد بإلهام فطري لأن حال التعلق سابق على ذلك وذلك بعد أن ذكر أن الخلو في مبدإ الفطرة يظهر لذوي الحدس بملاحظة حال الطفل وتجارب أحواله ووجه العجب ظاهر فافهم ولا تغفل .
وتفسير العلم بالمعرفة مما ذهب إليه غير واحد وفي أمالي العز لا يجوز أن يجعل باقيا على بابه ويكون شيئا مصدرا أي لا تعلمون علما لوجهين الأول أنه يلزم حذف المفعولين وهو خلاف الأصل الثاني أنه لو كان باقيا على بابه لكان الناس يعلمون المبتدأ الذي هو أحد المفعولين قبل الخروج من البطون وهو محال لاستحالة العلم على من لم يولد بيان ذلك أنا إذا قلنا : علمت زيدا مقيما يجب أن يكون العلم بزيد متقدما قبل هذا العلم وهذا العلم إنما يتعلق بإقامته وكذلك إذا قلت : ما علمت زيدا مقيما فالذي لم يعلم هو إقامة زيد وأما هو فمعلوم وذلك مستفاد من جهة الوضع فحيث أثبت العلم أو نفي فلا بد أن يكون الأول معلوما فيتعين حمل العلم على المعرفة أه .
ويعلم منه استقامة جعل العلم على بابه و شيئا مفعوله الأول والمفعول الثاني محذوف وقوله تعالى : وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة يحتمل أن يكون جملة ابتدائية ويحتمل أن يكون معطوفا على الجملة الواقعة خبرا والواو لا تقتضي الترتيب ونكتة تأخيره أن السمع ونحوه من آلات الإدراك إنما يعتد به إذا أحس وأدرك وذلك بعد الإخراج وجعل إن تعدي لواحد بأن كان بمعنى خلق فلكم متعلق به وإن تعدى لاثنين بأن كان بمعنى صير فهو مفعوله الثاني وتقديم الجار والمجرو على المنصوبات لما مر غير سرة .
والمعنى جعل لكم هذه الأشياء آلات تحصلون بها العلم والمعرفة بأن تحسوا بمشاعركم جزئيات الأشياء وتدركوها بأفئدتكم وتنتبهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرير الإحساس فيحصل لكم علوم بديهية تتمكنون بالنظر فيها من تحصيل العلوم السكسبية وهذا خلاصة ما ذكره الإمام في هذا المقام ومستمد ما ذهب إليه الكثير من الحكماء من أن النفس في أول أمرها خالية عن العلوم فإذا استعملت الحواس الظاهرة أدركت بالقوة الوهمية أمورا جزئية بمشاركات ومباينات جزئية بينها فاستعدت لأن يفيض عليها المبدأ الفياض المشاركات الكلية ويثبتوا للنفس أربع مراتب مرتبة العقل الهيولاني ومرتبة العقل بالملكة ومرتبة العقل بالفعل ومرتبة العقل المستفاد ويزعمون أن النفس لا تدرك الجزئي المادي ولهم في هذا المقام كلام طويل وبحث عريض .
وأهل السنة يقولون : إن النفس تدرك الكلي والجزئي مطلقا باستعمال المشاعر وبدونه كما فصل في محله وتحقيق هذا المطلب بماله وما عليه يحتاج إلى بسط كثير وقد عرض والمستعان بالحي القيوم جل جلاله وعم نواله من الحوادث الموجبة لاختلال أمر الخاصة والعامة ما شوش ذهني وحال بين تحقيق ذلك وبيني أسأل الله سبحانه أن يمن علينا بما يسر الفؤاد وييسر لنا ما يكون عونا على تحصيل المراد بالجملة المأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الآية أنه قال : يريد سبحانه أنه جعل لكم ذلك لتسمعوا مواعظ الله تعالى وتبصروا ما أنعم الله تعالى به عليكم من إخراجكم من بطون أمهاتكم إلى أن صرتم رجالا وتقلوا عظمته سبحانه وقيل المعنى جعل لكم السمع لتسمعوا به نصوص الكتاب والسنة التي هي دلائل سمعية لتستدلوا على ما يصلحكم في أمر دينكم والإبصار لتبصروا بها عجائب مصنوعاته تعالى وغرائب مخلوقاته سبحانه فتستدلوا بها على وحدانيته