صحته لا يضرنا في إرادة الموصوفين مطلقا بحيث يدخل فيهما من ذكر فقد صرحوا بأن خصوص السبب لا ينافي العموم .
هذا وقد اقتصر شيخ الإسلام على كون الغرض من التمثيلين نفي المساواة بينه جل جلاله وبين ما يشركون وهو دليل على أنه مختاره ثم قال : اعلم أن كلا الفعلين ليس المراد بهما حكاية الضرب بل المراد إنشاؤه بما ذكر عقبيه ولا يبعد أن يقال : إن الله تعالى ضرب مثلا بخلق الفريقين على ما هما عليه فكان خلقهما كذلك للإستدلال بعدم تساويهما على امتناع التساوي بينه سبحانه وتعالى وبين ما يشركون فيكون كل من الفعلين حكاية للضرب الماضي أه ولا يخفى أنه لا كلام في حسن اختياره لكن في النفس من قوله لا يبعد شيء .
ولله تعالى خاصة لا لأحد فيره استقلالا ولا اشتراكا غيب السماوات والأرض أي جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين بحيث لا سبيل لهم إلى إدراكها حسا ولا إلى فهمها عقلا ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما إما باعتبار الوقوع فيهما حالا أو مآلا وأما باعتبار الغيبة عن أهلهما ولا حاجة إلى تقدير هذا المضاف والمراد بيان الإختصاص به تعالى من حيث المعلومية حسبما ينبيء عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقية والمملوكية وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر وفيه كما في إرشاد العقل السليم إشعار بأن علمه تعالى حضوري وأن تحقق الغيوب في نفسها بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ولذلك لم يقل تعالى : ولله علم غيب السماوات والأرض وقيل : المراد بغيب السماوات والأرض ما في قوله سبحانه : أن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الآية وقيل : يوم القيامة ولا يخفى أن القول بالعموم أولى .
وما أمر الساعة التي هي أعظم ما وقع فيه المماراة من الغيوب المتعلقة بالسماوات والأرض من حيث الغيبة عن أهلها أو ظهور آثارها فيهما عند وقوعها أي وما شأنها في سرعة المجيء إلا كلمح البصر أي كرجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها وفي البحر اللمح النظر بسرعة يقال : لمحه لمحا ولمحانا إذا نظره بسرعة أو من أي من أمرها أقرب أي من ذلك وأسرع بأن يقع في بعض أجزاء زمانه فإن رجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها وإن قصر حركة أينية لها هوية اتصالية منطبقة على زمان له هو كذلك قابل للإنقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضا بل بأن يقع فيما يقال له آن وهو جزء غير منقسم من أجزاء الزمان كآن ابتداء الحركة و أو قال الفراء : بمعنى بل ورده في البحر بأن بل للإضراب وهو لا يصح هنا بقسميه أما الأبطال فلأنه يؤل إلى أن الحكم السابق غير مطابق فيكون الإخبار به كذبا والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وأما الإنتقال فلأنه يلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر وكونه أقرب فلا يمكن صدقهما معا ويلزم الكذب المحال أيضا وأجيب باختيار الثاني ولا تنافي بين تشبيه في السرعة بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه وبين كونه في الواقع أقرب من ذلك وهذا بناء على أن الغرض من التشبيه بيان سرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه وتحديده وأجيب أيضا بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس يعني أن أمرها إذا سئلتم عنها أن يقال فيه : هو كلمح البصر ثم يضرب عنه ما هو أقرب وقيل : هو للتخيير ورده في البحر أيضا بأنه إنما يكون في المحظورات كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في درهما أو في التكليف كآية الكمارات وأجيب بأن هذا مبني على مذهب ابن مالك من أن أو تأتي للتخيير وأنه غير مختص بالوقوع