ورودها بواسطة تلك الألحان إلى وكرها وهي تبني البيوت من أضلاع متساوية والعقلاء لا يمكنهم ذلك إلا بآلات مثل المسطرة والفرجار وتختارها على غيرها من البيوت المشكلة بأشكال أخر كالمثلثات والمربعات والمخمسات وغيرها وفي ذلك سر لطيف فإنهم قالوا : ثبت في الهندسة أنها لو كانت مشكلة بأشكال أخر يبقى فيما بينها بالضرورة فرج خالية ضائعة ولها أحوال كثيرة عجيبة غير ذلك قد شاهدها كثيرة من الناس وسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى والصوفية على ما ذكره الشعراني في غير موضع لا يمنعون إرادة الحقيقة وقد أثبتوا في سائر الحيوانات رسلا وأنبياء والشرع يأبى ذلك وذهب بعض حكماء الإشراق إلى ثبوت النفس الناطقة لجميع الحيوانات وأكاد أسلم لهم ذلك ولم نسمع عن أحد غير الصوفية القول بما سمعت عنهم والنحل جنس واحده نحلة ويؤنث في لغة الحجاز ولذلك قال سبحانه : أن اتخذي وقرأ ابن وثاب النحل بفتحتين وهو يحتمل أن يكون لغة وأن يكون إتباعا لحركة النون و أن إما مصدرية بتقدير باء الملابسة أي بأن اتخذي أو تفسيرية وما بعدها مفسر للإيحاء لأن فيه باعتبار معناه المشهور معنى القول دون حروفه وذلك كاف في جعلها تفسيرية وقد غفل عن ذلك أبو حيان أو لم يعتبره فقال : إن في ذلك نظرا لأن الوحي هنا بمعنى الإلهام إجماعا وليس في الإلهام معنى القول من الجبال بيوتا أوكارا وأصل البيت مأوى الإنسان واستعمل هنا في الوكر الذي تبنيه النحل لتعسل فيه تشبيها له بما يبنيه الإنسان لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة كما سمعت : وقريء بيوتا بكسر الباء لمناسبة الياء وإلا فجمع فعل على فعول بالضم .
ومن الشجر ومما يعرشون .
68 .
- أي يعرشه الناس أي يرفعه من الكروم كما روي عن ابن زيد وغيره أو السقوف كما نقل عن الطبري أو أعم منهما كما قال البعض و من في المواضع الثلاثة للتبعيض بحسب الإفراد وبحسب الأجزاء فإن النحل لا يبنى في كل شجر وكل جبل وكل ما يعرش ولا في كل مكان من ذلك وبعضهم قال : إن من للتبعيض بحسب الإفراد فقط والمعنى الآخر معلوم من خارج لا من مدلول من إذ لا يجوز استعمالها فيهما ولمولانا ابن كمال تأليف مفرد في المسئلة فليراجع وأياما كان ففيه مع ما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى من البديع صنعة الطباق وتفسير البيوت بما تبنيه هو الذي ذهب إليه غير واحد وقال أبو حيان : الظاهر أنها عبارة عن الكوي التي تكون في الجبال وفي متجوف الأشجار والخلايا التي يصنعها ابن آدم للنحل والكوي التي تكون في الحيطان ولما كان النحل نوعين منه ما مقره في الجبال والغياض ولا يتعهده أحد ومنه ما يكون في بيوت الناس ويتعهد في الخلايا ونحوها شمل الأمر بالإتخاذ البيوت النوعين .
ثم كلي من كل الثمرات أي من جميعها وهي جمع ثمرة محركة حمل الشجر وأخذ بظاهر ذلك ابن عطية فقال : إنما تأكل النوار من الأشجار وتقال الثمرة للشجرة أيضا كما في القاموس وقيل : وهو المناسب هنا إذا التخصيص بحمل الشجر خلاف الواقع لعموم أكلها للأوراق والأزهار والثمار وتعقب بأنه لا يخفي أن إطلاق الثمرة على الشجرة مجاز غير معروف وكونها تأكل من غيرها غير معلوم وغير مناف للإقتصار على أكل ما ينبت فيها والعموم في كل على ما يشير إليه كلام البعض عرفي وجوز أن يكون نخصوصا بالعادة أي كلي من كل ثمرة تشتهينها وقيل : كل للتكثير قال الخفاجي : ولو أبقى على ظاهره أيضا جاز لأنه لا يلزم