من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز وعضدوا هذا من السنة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : حرم الله تعالى الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب أخرجه الدارقطني وإلى حل شرب النبيذ مالم يصل إلى الإسكار ذهب إبراهيم النخعي : وأبو جعفر الطحاوي وكان إمام أهل زمانه وسفيان الثوري وهو من تعلم وكان عليه الرحمة يشربه كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره والبيضاوي بعد أن فسر السكر بالخمر تردد في أمر نزولها فقال : إلا أن الآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهيتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة ووجه دلالتها على الكراهية بأن الخمر وقعت في مقابلة الحسن وهو مقتض لقبحها والقبيح لا يخلو عن الكراهة وإن خلا عن الحرمة واعترض عليه بأن تردده هنا في سبقها على تحريم الخمر ينافي ما في سورة البقرة حيث ساق الكلام على القطع على أنه جزم في أول هذه السورة بأنها مكية إلا ثلاث آيات من آخرها وفي الكشاف بعد أن فسر السكر أيضا بما ذكر قال : وفيه وجهان أحدهما أن تكون منسوخة والثاني أن يجمع بين العتاب والمنة ونقل الكشف أن القول بكونها منسوخة أولى الأقاويل ثم قال : وفي الآية دليل على قبح تناولها تعريضا من تقييد المقابل بالحسن وهذا وجه من ذهب إلى أنه جمع بين العتاب والمنة وعلى الأول يكون رمزا إلى أن السكر وإن كان مباحا فهو مما يحسن اجتنابه أه واستدل ابن كمال على نزولها قبل التحريم بأن المقام لا يحتمل العتاب فإن مساق الكلام على مادل عليه سياقه ولحاقه في تعداد النعم العظام وذكر أن كلام الزمخشري ومن تبعه ناشيء عن الغفلة عن هذا ولعل عدم وصف السكر بما وصف به ما بعده لعلم الله تعالى أنه سيكون رجسا يحكم الشرع بتحريمه وجوز الزمخشري أن يجعل السكر رزقا حسنا كأنه قيل : تتخذون منه ما هو مسكر ورزق حسن أي على أن العطف من عطف الصفات وأنت تعلم أن العطف ظاهرة المغايرة .
وهذا ولما كان اللبن نعمة عظيمة لا دخل لفعل الخلق فيه إضافه سبحانه لنفسه بقوله تعالى : نسقيكم بخلاف اتخاذ السكر وقد صرح بذلك في البحر فتأمل إن في ذلك لآية باهرة لقوم يعقلون .
67 .
- يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل بالآيات فالفعل منزلة اللازم قال أبو حيان : ولما كان مفتتح الكلام وإن لكم في الأنعام لعبرة ناسب الختم بقوله سبحانه : لأنه لا يعتبر إلا ذوو العقول وأنا أقول : إذا كان في الآية إشارة إلى الحط من أمر السكر ففي الختم المذكور تقوية لذلك وله في النفوس موقع وأي موقع حيث أن العقار كما قيل للعقول عقال : إذا دارها بالأكف السقاة لخطابها أمهروها العقولا فأفهم ذاك والله تعالى يتولى هداك وأوحى ربك إلى النحل ألهمها وألقى في روعها وعلمها بوجه لا يعلمه إلا اللطيف الخبير وفسر بعضهم الإحياء إليها بتسخيرها أريد منها ومنعوا أن يكون المراد حقيقة الإحياء لأنه إنما يكون للعقلاء وليس التحل منها نعم يصدر منها أفعال ويوجد فيها أحوال يتخيل بها أنها ذوات عقول وصاحبة تقصر عنه الفحول فتراها يكون بينها واحد كالرئيس هو أعظمها جثة يكون ناقد الحكم على سائرها والكل يخدمونه ويحملون عنه وسمي اليعسوب والأمير وذكروا أنها إذا نفرت عن وكرها ذهبت بجمعيتها إلى موضع آخر فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا لها الطبول وآلات الموسيقى