ما سبق بحسب المعنى تعدادا لجناياتهم أي يفعلون ما يفعلون مما قص عليك ويجعلون لما لا يعلمون أي لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها وأنها لا تضر ولا تنفع على أن ما موصولة والعائد محذوف وضمير الجمع للكفار أو لآلهتهم التي لا علم لها بشيء لأنها جماد على أن ما موصولة أيضا عبارة عن الآلهة وضمير يعلمون عائد عليه ومفعول يعلمون مترك لقصد العموم وجوز أن ينزل منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم وصيغة جمع العقلاء لوصفهم الآلهة بصفاتهم ويجوز أن تكون ما مصدرية وضمير الجمع للمشركين واللام تعليلية لا صلة الجمع كما في الوجهين الأولين وصلته محذوفة للعلم بها أي يجعلون لآلهتهم لأجل جهلهم نصيبا مما رزقناهم من الحرث والأنعام وغيرهما مما ذرأ تقربا إليها تالله لتسئلن سؤال توبيخ وتقريع في الآخرة وقيل : عند عذاب القبر وقيل : عند القرب من الموت عما كنتم تفترون .
56 .
- من قبل بأنها آلهة حقيقية بأن يتقرب إليها وفي تصدير الجملة بالقسم وصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب المنبيء عن كمال الغضب من شدة الوعيد ما لا يخفى .
ويجعلون لله البنات هم خزاعة وكنانة كانوا يقولون : الملائكة بنات الله تعالى وكأنهم لجهلهم زعموا تأنيثها وبنوتها وقال الإمام : أظن أنهم أطلقوا عليها البنات لا ستتارها عن العيون كالنساء ولهذا لما كان قرص الشمس يجري مجرى المستتر عن العيون بسبب ضوئه الباهر ونوره القاهر أطلقوا عليه لفظ التأنيث .
ولا يرد على ذلك أن الجن كذلك لأنه لا يلزم في مثله الإطراد وقيل : أطلقوا عليها ذلك للاستتار مع كونها في محل لا تصل إليه الأغيار فهي كبنات الرجل اللاتي يغار عليهمن فيسكنهن في محل أمين ومكان مكين والجن وإن كانوا مستترين لكن لا على هذه الصورة وهذا أولى مما ذكره الإمام وأما عدم التوالد فلا يناسب ذلك .
سبحانه تنزيه وتقديس له تعالى شأنه عن مضمون قولهم ذلك أو تعجيب من جرامتهم على التفوه بمثل تلك العظيمة وهو في المعنى الأول حقيقة وفي الثاني مجاز .
ولهم ما يشتهون .
57 .
- يعني البنين و ما مرفوع المحل على أنه مبتدأ والظرف المقدم خبره والجملة حالية وسبحانه اعتراض في حاق موقعه وجوز الفراء والحوفي أنه في محل نصب معطوف على البنات كأنه قيل : ويجعلون لهم ما يشتهون واعترض عليه الزجاج وغيره بأنه مخالف للقاعدة النحوية وهي أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل المرفوع بالفاعلية وكذا الظاهر إلى ضميره المتصل سواء كان تعديه بنفسه أو بحرف الجر إلا في باب ظن وما ألحق به من فقد وعدم فلا يجوز زيد ضربه بمعنى ضرب نفسه ولا زيد مر به أي هو بمفسه ويجوز زيد ظنه قائما وزيد فقده وعدمه فلو كان مكان الضمير اسما ظاهرا كالنفس نحو زيد يضرب نفسه أو ضميرا منفصلا نحو زيد ما ضرب إلا إياه وما ضرب زيد إلا إياه جاز فإذا عطف ما على البنات أدى إلى تعدية فعل المضمر المتصل وهو واو يجعلون إلى ضميره المتصل وهو هم المجرور باللام في غير ما استثنى وهو ممنوع عند البصريين ضعيف عند غيرهم فكان حقه أن يقال لأنفسهم وأجيب بأن الممتنع إنما هو تعدي الفعل بمعنى وقوعه عليه أو ما جر بالحرف نحو زيد مر به فإن المرور واقع بزيد وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فإن الجعل ليس واقعا بالجاعلين بل بما يشتهون ومحصله كما قال الخفاجي المنع في المتعدي بنفسه