مجهولة أو مشكوكة سبب للإخبار بكونها من الله تعالى فيتحقق أن الشرط والشروط فيها على حسب المعروف من كون الأول سببا والثاني مسببا وقد وهم من قال : إن الشرط قد يكون مسببا وفي الكشف أن الشرط والجزاء ليسا على الظاهر فإن الأول ليس سببا للثاني بل الأمر بالعكس لكن المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالإتصال سبب العلم بكونها من الله تعالى وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب الإعلام بكونها منه لأنه في قوم استقرت بهم النعم وجهلوا معطيها أو شكوا فيه ألا ترى إلى ما بنى عليه بعد كيف دل على أنهم عالمون بأنه سبحانه المنعم ولكن بضطرون إليه عند الإلجاء ويفرون بعد الإنجاء انتهى وفيه أنه يدفع ما ذكره بأن علمهم نزل لعدم الإعتداد به وفعلهم ما ينافيه منزلة الجهل فأخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه : أما أعطيتك كذا أما وأما ثم إذا مسكم الضر مساسا يسيرا فإليه تجئرون .
53 .
- تتضرعون في كشفه لا إلى غيره كما يفيده تقديم الجار والمجرور والجؤار في الأصل صياح الوحش واستعمل في رفع الصوت بالدعاء والإستغاثة قال الأعشى يصف راهبا : يداوم من صلوات المليك طروا سجودا وطروا جؤرا وقرأ الزهري تجرون بحذف الهمزة والقاء حركتها على الجيم وفي ذكر المساس المنبيء عن أدنى إصابة وإيراده بالجملة الفعلية المؤذنة بالحدوث مع ثم الدالة على وقوعه بعد برهة من الدهر وتحلية الضر بلام الجنس المفيدة لمساس أدنى ما ينطبق عليه اسم الجنس مع إيراد النعمة بالجملة الإسمية المؤذنة بالدوام والتعبير على ملابستها للمخاطبين بباء المصاحبة وإيراد ما المعربة عن العموم على احتماليها ما لا يخفى من الجزالة والفخامة .
ولعل إيراد إذا دون أن للتوسل به إلى تحقق وقوع الجواب قاله المولى أبو السعود وفيه ما يعرف مع الجواب عنه بأدنى تأمل وكان الظاهر على ما قيل أن يقال بعد أفغير الله تتقون : وما يصيبكم ضر إلا منه ليقوي إنكار اتقاء غيره سبحانه لكن ذكر النفع يفهم بواسطته الضر واقتصر عليه إشارة إلى سبق رحمته وعمومها وبملاحظة هذا المعنى قيل : يظهر ارتباط وما بكم من نعمة فمن الله بما قبله وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك واستدل بالآية على أن لله تعالى نعمة على الكافر وعلى أن الإيمان مخلوق له تعالى .
ثم إذا كشف الضر عنكم أي رفع ما مسكم من الضر إذا فريق منكم بربهم يشركون .
54 .
- أي يتجدد إشراكهم به تعالى بعبادة غيره سبحانه والخطاب في الآية إن كان عاما فمن للتبعيض والفريق الكفرة وإن كان خاصا بالمشركين كما استظهره في الكشف فمن للبيان على سبيل التجريد ليحسن وإلا فليس من مواقعه كما قيل والمعنى إذا فريق هم أنتم يشركون وجوز على هذا الإحتمال في الخطاب كون من تبعيضية أيضا لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد ضرا شديدا كما يدل عليه قوله تعالى : فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد على تقدير أن يفسر الإقتصاد بالتوحيد لا بعدم الغلو في الكفر و إذا الأولى شرطية والثانية فجائية والجملة بعدها جواب الشرط واستدل أبو حيان باقترانها بإذا الفجائية على أن إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها و بربهم متعلق بيشركون والتقديم لمراعاة وؤس الآي والتعرض لوصف الربوبية للإيذان بمكال قبح ما ارتكبوه من الإشراك الذي هو غاية في الكفران و ثم قال في إرشاد العقل السليم : ليست لتمادي زمان مساس الضر ووقوع الكشف بعد برهة مديدة بل للدلالة