أشبه الصور إلى الصورة الأولى فتدبر وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة يس تحقيق هذا المطلب على أتم وجه .
ونقل عن ابن الجوزي وأبي العالية أن هذه الآية نزلت لأن رجلا من المسلمين تقاضى دينا على رجل من المشركين فكان فيما تكلم به المسلم والذي أرجوه بعد الموت فقال المشرك : وإنك لتبعث بعد الموت وأقسم بالله لا يبعث الله من يموت فقص الله تعالى ذلك ورده أبلغ رد بقوله سبحانه : بلى لإيجاب النفي أي بلى يبعثهم وعدا مصدر مؤكد لما دل عليه بلى إذ لا معنى له سوى الوعد بالبعث والإخبار عنه ويسمى نحو هذا مؤكدا لنفسه وجوز أن يكون مصدرا لمحذوف أي وعد ذلك وعدا عليه صفة وعدا والمراد وعدا ثابتا عليه إنجازه وإلا فنفس الوعد ليس ثابتا عليه وثبوت الإيجاز لامتناع الخلف في وعده أو لأن البعث من مقتضيات الحكمة .
حقا صفة أخرى لوعدا وهي مؤكدة إن كان بمعنى ثابتا متحققا ومؤسسة إن كان بمعنى غير باطل أو نصب على المصدرية بمحذوف أي حق حقا ولكن أكثر الناس لجهلهم بشؤون الله تعالى من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال وبما يجوز عليه وما لا يجوز وعدم وقوفهم على سر التكوين والغاية القصوى منه وعلى أن البعث مما تقتضيه الحكمة لا يعلمون .
38 .
- أنه تعالى يبعثهم ونعى عليهم عدم العلم بالبعث دون العلم بعدمه الذي يزعمونه على ما يقتضيه ظاهر قسمهم ليعلم منه نعي ذاك بالطريق .
وجوز أن يكون للإيذان بأن ما عندهم بمعزل عن أن يسمى علما بل هو توهم صرف وجهل محض وتقدير مفعول يعلمون ما علمت هو الأنسب بالسياق وجوز أن يكون التقدير لا يعلمون أنه وعد عليه حق فيكذبونه قائلين : لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ليبين لهم متعلق بما دل عليه بلى وهو يبعثهم والضمير لمن يموت الشامل للمؤمنين والكافرين إذ التبيين يكون للمؤمنين أيضا فإنهم وإن كانوا عالمين بذلك لكنه عند معاينة حقيقة الحال يتضح الأمر فيصل علمهم إلى مرتبة عين اليقين أي يبعثهم ليبين لهم بذلك وبما يحصل لهم بمشاهدة الأحوال كما هي ومعاينتها بصورها الحقيقية الشأن الذي يختلفون فيه من الحق الشامل لجميع ما خالفوه مما جاء به الرسل المبعوثون فيهم ويدخل فيه البعث دخولا أوليا والتعبير عن ذلك بالموصول للدلالة على فخامته وللإشعار بعلية ما ذكر في حيز الصلة للنبيين وتقديم الجار والمجرور لرعاية رؤس الآي وليعلم الذين كفروا بالله تعالى بالإشراك وإنكار البعث الجسماني وتكذيب الرسل عليهم السلام أنهم كانوا كاذبين .
39 .
- في كل ما يقولونه ويدخل فيه قولهم : لا يبعث الله من يموت دخولا أوليا .
ونقل في البحر القول بتعلق ليبين الخ بقوله تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه وأنهم كانوا على الضلالة قبل بعثه مفترين على الله سبحانه الكذب ولا يخفى بعد ذلك وتبادر ما تقدم وجعل التبيين والعلم المذكورين غاية للبعث كما في إرشاد العقل السليم باعتبار وروده في معرض الرد على المخالفين وإبطال مقالة المعاندين المستدعي للتعرض لما يردعهم عن المخالفة ويأخذ بهم إلى الأذعان للحق فإن الكفرة إذا علموا أن تحقق البعث إذا كان لتبيين أنه حق وليعلموا أنهم كاذبون في إنكاره كان أزجر لهم عن إنكاره