قلنا به فهما بمعنى إلا أن هذه صريحة في عموم الفاعل بخلاف تلك مع أن المتعدي هو الأكثر وقرأت فرقة منهم عبد الله لا يهدي بفتح الياء وكسر الهاء والدال وتشديدها وأصله يهتدي فأدغم كقولك في يختصم يخصم .
وقرأت فرقة أخرى لا يهدي بضم الياء وكسر الدال قال ابن عطية : وهي ضعيفة وتعقبه في البحر بأنه إذا ثبت هدى لازما بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية فالمعنى لا يجعل مهتديا من أضله .
وأجيب بأنه يحتمل أن وجه الضعف عنده عدم اشتهار أهدي المزيد وقريء يضل بفتح الياء وفي مصحف أبي فإن الله لا هادي لمن أضل وما لهم من ناصرين .
37 .
- ينصرونهم في الهداية أو يدفعون العذاب عنهم وهو تتميم بإبطال ظن أن آلهتهم تنفعهم شيئا وضمير لهم عائد على معنى من وصيغة الجمع في الناصرين باعتبار الجمعية في الضمير فإن مقابلة الجمع بالجمع تفيد إنقسام الآحاد على الآحاد لأن المراد نفي طائفة من الناصرين من كل منهم .
ثم إن أول هذه الآيات ربما يوهم نصرة مذهب الإعتزال لكن آخرها مشتمل على الوجوه الكثيرة كما قال الإمام الدالة على نصرة مذهب أهل الحق ولعل الأمر غني عن البيان ولله تعالى الحمد على ذلك وأقسموا بالله شروع في بيان فن آخر من أباطيلهم وهو إنكارهم البعث وهو على ما في الكشاف وغيره عطف على قوله تعالى : وقال الذين أشركوا قيل : ولتضمن الأول إنكار التوحيد وهذا إنكار البعث وهما أمران عظيمان من الكفر والجهل حسن العطف بينهما والضمير لأهل مكة أيضا أي حلفوا بالله جهد أيمانهم مصدر منصوب على الحال أي جاهدين في أيمانهم لا يبعث الله من يموت وهو مبني على أن الميت يعدم ويفنى وأن البعث إعادة له وأنه يستحيل إعادة المعدوم وقد ذهب إلى هذه الإستحالة الفلاسفة ولم يوافقهم في دعوى ذلك أحد من المتكلمين إلا الكرامية وأبو الحسين البصري من المعتزلة واحتجوا عليها بما رده المحققون وبعضهم ادعى الضرورة في ذلك وأن ما يذكر في بيانه تنبيهات عليه فقد نقل الإمام عن الشيخ أبي علي بن سينا أنه قال : كل من رجع إلى فطرته السليمة ورفض عن نفسه الميل والتعصب شهد عقله الصريح بأن إعادة المعدوم بعينه ممتنعة وفي قسم هؤلاء الكفار على عدم البعث إشارة كما قال في التفسير إلى أنهم يدعون العلم الضروري بذلك .
وأنت تعلم أنه جوز إعادة المعدوم بعينه كما هو رأى جمهور المتكلمين فلا إشكال في البعث أصلا وأما أن قلنا بعدم جواز الإعادة لقيام القاطع على ذلك فقد قيل : نلتزم القول بعدم انعدام شيء من الأبدان حتى يلزم في البعث إعادة المعدوم وإنما عرض لها التفرق ويعرض لها في البعث الإجتماع فلا إعادة لمعدوم وفيه بحث وإن أيد بقصة إبراهيم عليه السلام ومن هنا قال المولى مير زاجان : لا مخلص إلا بأن يقال ببقاء النفس المجردة وأن البدن المبعوث مثل البدن الذي كان في الدنيا وليس عينه بالشخص ولا ينافي هذا قانون العدالة إذ الفاعل هو النفس ليس إلا والبدن بمنزلة السكين بالنسبة إلى القطع فكما أن الأثر المترتب على القطع من المدح والذم والثواب والعقاب إنما هو للقاطع لا للسكين كذلك الأثر المترتب على أفعال الإنسان إنما هو للنفس وهي المتلذذة والمتألمة تلذذا أو تألما عقليا أو حسيا فليس يلزم خلاف العدالة وأما الظواهر الدالة على عود ذلك الشخص بعينه فمؤولة لفرض القاطع الدال على الإمتناع وذلك بأن يقال : المراد إعادة مادته مع صورة كانت