القول لا يكون من كلامه تعالى حتى يكون وعدا منه سبحانه وقيل : إنها تؤيد كون جنات خبر مبتدأ محذوف لا مخصوصا بالمدح لأنه إذا كان مخصوصا بالمدح يكون كالصريح في أن جنات عدن جزاء للمتقين فيكون كذلك الخ تأكيدا بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحا أن جنات عدن جزاء للمتقين وفيه نظر وكذا في سابقه إلا أن في التعبير بالتأييد مايهون الأمر الذين تتوفاهم الملائكة نعت للمتقين وجوز قطعه وقوله سبحانه : طسبين حال من ضميرهم ومعناه على ما روي عن أبي معاذ طاهرين من دنس الشرك وهو المناسب لجعله في مقابلة ظالمي أنفسهم في وصف الكفرة بناء على أن المراد بالظلم أعظم أنواعه وهو الشرك لكن قيل عليه : إن ذكر الطهارة عن الشرك وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى .
وأجيب بأن فائدة ذلك الإشارة إلى أن الطهارة عن الشرك هي الأصل الأصيل وفي إرشاد العقل السليم بعد تفسير الظلم بالكفر وتفسير طيبين بطاهرين عن دنس الظلم وجعله حالا قال : وفائدته الإيذان بأن ملاك الأمر في التقوى هو الطهارة عما ذكر إلى وقت توفيهم حث للمؤمنين على الإستمرار على ذلك ولغيرهم على تحصيله .
وقال مجاهد : المراد بطيبين زاكية أقوالهم وأفعالهم وهو مراد من قال : طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي وإلى هذا ذهب الراغب حيث قال : الطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال وإياهم قصد بقوله سبحانه : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين .
وانتصر لذلك بأن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر وحملوا الظلم فيما مر على ما يعم الكفر والمعاصي لأن ذلك مجاب بقولهم : ما كنا نعمل من سوء فلا تفوت المناسبة في جعل هذا مقابلا لذاك لكن في الإستدلال بما ذكر في الجواب على إرادة العام ما لا يخفى والكثير على تفسير الطيب بالطاهر عن قاذورات الذنوب في مطابق الذي لا خبث فيه وقيل : المعنى فرحين ببشارة الملائكة عليهم السلام إياهم ويقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس فالمراد بالطيب طيب النفس وطيبها عبارة عن القبول مع انشراح الصدر يقولون حال من الملائكة وجوز أن يكون الذين مبتدأ خبره هذه الجملة أي قائلين أو قائلون لهم : سلام عليكم لا يحيقكم بعد مكروه .
قال القرطبي : وروي نحوه البيهقي عن محمد بن كعب القرظي إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت عليه السلام فقال : السلام عليك يا ولي الله إن الله تعالى يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة ادخلوا الجنة التي أعدها الله تعالى لكم ووعدكم إياها وكأنها إنما لم توصف لشهرة أمرها .
وفي إرشاد العقل السليم اللام للعهد أي جنات عدن الخ ولذلك جردت عن النعت وهو كما ترى والمراد دخولهم فيها بعد البعث بناء على أن المتبادر الدخول بالأرواح والأبدان والمقصود من الأمر بذلك قبل مجيء وقته البشارة بالجنة على أتم وجه ويجوز أن يراد الدخول حين التوفي بناء على حمل الدخول على الدخول بالأرواح كما يشير إليه خبر القبر روضة من رياض الجنة وكون البشارة بذلك دون البشارة بدخول الجنة على المعنى الأول لا يمنع عن ذلك على أن لقائل أن يقول : إن البشارة بدخول الجنة بالأرواح متضمنة للبشارة بدخولها بالأرواح والأبدان عند وقته وكون هذا القول كسابقه عند قبض الأرواح هو المروي عن ابن مسعود وجماعة