وذكر أبو حيان في وجه تأخير الأعناب إن ثمرتها فاكهة محضة وفيه أنه أراد بثمرتها العنب ما دام طريا قبل أن يتزبب فيمكن أن يسلم وإن أراد به المتزبب فغير مسلم وفي كلام كثير من الفقهاء في بحث زكاة الفطر أن في الزبيب اقياتا بل ظاهر كلامهم أنه في ذلك بعد التمر وقبل الإرز والبحاث في هذا لا ينفي الأقتيات كما لا يخفى على الواقف على البحث وفي جمع النخيل والأعناب إشارة إلى أن ثمارها مختلفة الأصناف ففي التذكرة عند ذكر التمر أنه مختلف كثير الأنواع كالعنب حتى سمعت أنه يزيد على خمسين صنفا وعند ذكر العنب أنه يختلف بحسب الكبر والإستطالة وغلظ القشر وعدم العجم وكثرة الشحم واللون والطعم وغير ذلك إلى أنواع كثيرة كالتمر أه وأنا قد سمعت من والدي عليه الرحمة أنه سمع في مصر حين جاءها بعد عوده من الحج لزيارة أخيه المهاجر إليها لطلب العلم أن في نواحيها من أصناف التمر ما يقرب من ثلثمائة صنف والعهدة على من سمع منه هذا وللعلامة أبي السعود هنا ما يشعر ظاهره بالغفلة وسبحان من لا يغفل وكان الظاهر تقديم غذاء الإنسان لشرفه على غذاء ما يسام لكن قدم ذاك على ما قال الإمام للتنبيه على مكارم الأخلاق وأن يكون اهتمام الإنسان بمن تحت يده أقوى من اهتمامه بنفسه والعكس في قوله تعالى : كلوا وأرعوا أنعامكم للإيذان بأن ذلك ليس بلازم وإن كان من الأخلاق الحميدة وهو على طبق ما ورد في الخبر ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقيل : لأن ذلك مما لا دخل للخلائق فيه ببذر وغرس فالإمتنان به أقوى وقيل : لأن أكثر المخاطبين من أصحاب المواشي لهم زرع ولا شيء مما ذكره وقال شهاب الدين في وجه ذلك ولك أن تقول لما سبق ذكر الحيوانات المأكولة والمركوبة ناسب تعقيبها بذكر مشربها ومأكلها لأنه أقوى في الإمتنان بها إذ خلقها ومعاشها لأجلهم فإن من وهب دابة مع علفها كان أحسن كما قيل : من الظرف هبة الهدية مع الظرف أه ولا يخلو عن حسن .
والأولى عليه أن يراد من قوله تعالى : لكم منه شراب ما يشرب وأما ما قيل : إن ما قدم من الغذاء غذاء للإنسان أيضا لكن بواسطة فإنه غذائه لغذائه الحيواني فلا يدفع السؤال لأنه يقال بعد : كان ينبغي تقديم ما كان غذاء له بغير واسطة لا يقال : هذا السؤال إنما يحسن إذا كان المراد من المتعاطفات المذكورات ثمراتها لا ما يحصل منها الثمرات لأن ذلك ليس غذاء الإنسان لأنا نقول : ليس المقصود من ذكرها إلا الإمتنان بثمراتها إلا أنها ذكرت على نمط سابقها المذكور في غذاء الماشية ويرشد إلى أن الإمتنان بثمراتها قوله سبحانه : ومن كل الثمرات وإرادة الثمرات منها من أول الأمر بارتكاب نوع من المجاز في بعضها لهذا إهمال لرعاية غير أمر يحسن له حملها على ما قلنا دون ذلك منه ينبت إذ ظاهره يقتضي التعلق بنفس الشجرة لا بثمرتها فليعمل بما يقتضيه في صدر الكلام وإن اقتضى آخره اعتبار نحو ما قيل في .
غلفتها تبنا وماء باردا .
كذا قيل وفيه تأمل ومنع بعضهم كون الإنبات مما يقتضي التعلق المذكور فقد قال سبحانه : فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبنا وفاكهة وأبا وجوز أن لا يكون الملحوظ فيما عد مجرد الغذائية بل ما يعمها وغيرها على معنى ينبت به لنفعكم ما ذكره والنفع يكون بما فيه غذاء وغيره و من للتبعيض والمعنى وينبت لكم بعض كل الثمرات وإنما قيل ذلك لما في الكشاف وغيره من أن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض بعض من كل للتذكرة وقال بعض الأجلة : المراد بعض مما في بقاع الأماكن من ثمر القدرة الذي لم تجنه راحة الوجود وهو أظهر وأشمل وأنسب بما تقدم لأنه سبحانه كما عقب ذكر الحيوانات المنتفع