وفي الكشف أن تغاير الأسلوبين على أصل أهل السنة واضح أيضا إذ لا منكر أن الأول هو المقصود لذاته فبيان طريق الضلالة إجمالا قدر ما يمتاز قصد السبيل منه في ضمن بيان قصد السبيل ضرورة وبيانه التفصيلي ليس مما لا بد من وقوعه ولا أن الوعد جرى به على مذهب أه فليتأمل ثم إن الآية منادية على خلاف ما زعمه المعتزلة ومنهم الزجاج من عدم استلزام تعلق مشيئته بشيء وجوده وقد التجأوا إلى التزام تفسيرها بالقسرية وقال أبو علي منهم : المعنى لو شاء لهداكم إلى الثواب أو إلى الجنة بغير استحقاق وكل ذلك خلاف الظاهر كما لا يخفى .
هو الذي أنزل من السماء ماء شروع في نوع آخر من النعم الدالة على توحيده سبحانه والمراد من الماء نوع منه هو المطر ومن السماء أما السحاب على الإستعارة أو المجاز المرسل وأما الجزم المعروف والكلام على حذف مضاف أي من جانب السماء أو جهتها وحملها على ذلك بدون هذا يقتضيه ظاهر بعض الأخبار ولا أقول به و من على كل تقدير ابتدائية وهو متعلق مما عنده وتأخير المفعول الصريح عنه ليظمأ الذهن إليه فيتمكن أتم تمكن عند وروده عليه وقوله تعالى : لكم يحتمل أن يكون خبرا مقدما وقوله سبحانه : منه في موضع الحال من قوله D : شراب أي ما تشربون وهو مبتدأ مؤخر أو هو فاعل بالظر الأول والجملة صفة لماء و من تبعيضية وليس في تقديمها إيهام حصر ومن توهمه قال : لا بأس به لأن جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما ينبيء عنه قوله تعالى : فسلكه ينابيع في الأرض وقوله سبحانه : فأسكناه في الأرض ويحتمل أن يكون متعلقا بما عنده ومن شراب مبتدأ وخبر أو شراب فاعل بالظرف والجملة من كما تقدم .
وتعقب بأن توسيط المنصوب بين المجرورين وتوسيط الثاني منهما بين الماء وصفته مما لا يليق بجزالة النظم الجليل وهو كذلك ومنه شجر أي نبات مطلقا سواء كان له ساق أم لا كما نقل عن الزجاج وهو حقيقة في الأول ومن استعماله في الثاني قول الراجز : نعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر فإنه قيل : الشجر فيه بمعنى الكلأ لأنه الذي يعلف وكذا فسره في النهاية بذلك في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت ولعل ذلك لأنه جاء في الحديث النهي عن منع فضل الماء كمنع فضل الكلأ وتشارك الناس في الماء والكلأ والنار وأبقاه بعضهم على حقيقته ولم يجعله مجازا شاملا و من إما للتبعيض مجازا لأن الشجر لما كان حاصلا بسقيه جعل كأنه منه كقوله : .
أسنمة الأبال في ربابه .
يعني به المطر الذي ينبت به ما تأكله الإبل فتسمن أسنمتها وأما للإبتداء أي وكائن منه شجر والأول أولى بالنسبة إلى ما قبله .
وقال أبو البقاء هي سببية أي وبسببه إنبات شجر ودل على ذلك ينبت لكم به الزرع وجوز ابن الأنباري الوجهين الأولين على ما يقتضيه ظاهر قوله : الكلام على تقدير مضاف إما قبل الضمير أي من جهته أو من سقيه شجر