أو بعض من السبيل جائر والجملة على ما اختاره بعض المحققين اعتراضية جيء بها لبيان الحاجة إلى البيان أو التعديل بنصب الأدلة والإرسال والإنزال الأمور المذكورة سابقا وإظهار جلالة قدر النعمة في ذلك وذلك هو الهداية المفسرة بالدلالة على ما يوصل إلى المطلوب لا الهداية المستلزمة للإهتداء إليه فإن ذلك ليس على الله سبحانه أصلا بل هو مخل بحكمته كما يشير إليه قوله تعالى : ولو شاء لهداكم أجمعين .
9 .
- قال فإن معناه ولو شاء هدايتكم إلى ما ذكر من التوحيد هداية مستلزمة للإهتداء إليه لفعل ولكن لم يشأ لأن مشيئته تابعة للحكمة ولا حكمة في تلك المشيئة لما أن الذي يدور عليه فلك التكليف إنما هو الإختيار الذي عليه ترتب الأعمال التي بها يرتبط الجزاء وقيد أجمعين للمنفي لا للنفي فيكون المراد سلب العموم لا عموم السلب وذكر بعضهم أنه كان الظاهر أن يقال : وعلى الله قصد السبيل وجائرها أو عليه جائرها إلا أنه عدل عنه إلى ما في النظم الكريم لأن الضلالة لا يضاف إليه تعالى تأدبا فهو كقوله تعالى : الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم .
وزعم الزمخشري أن المخالفة بين أسلوبي الجملتين للإيذان بما يجوز إضافته من السبيلين إليه تعالى وما لا يجوز وعنى الإشارة إلى ما ذهب إليه إخوانه المعتزلة من عدم جواز إضافة الضلال إليه سبحانه لأنه غير خالقه وجعلوا الآية للمخالفة حجة لهم في هذه المخالفة وأجاب بعض الجماعة بأن المراد على الله تعالى بحسب الفضل والكرم بيان الدين الحق والمذهب الصحيح فأما بيان كيفية الإغواء والإضلال فليس عليه سبحانه وبحث فيه بأنه كما أن بيان الهداية وطريقها متحتم فكذا ضده وليس إرسال الرسل عليهم السلام وإنزال الكتب إلا لذلك .
وقال ابن المنير : إن المخالفة بين الأسلوبين لأن سياق الكلام لإقامة الحجة على الخلق بأنه تعالى بين السبيل القاصد والجائر وهدى قوما اختاروا الهدى وأضل آخرين اختروا الضلالة وقد حقق أن كل ما فعل صدر على يد العبد فله اعتبار أن هو من حيث كونه موجودا مخلوق لله تعالى ومضاف إليه سبحانه بهذا الإعتبار وهو من حيث كونه مقترنا باختيار العبد له وتيسره عليه يضاف إلى العبد وأن تعدد هذين الإعتبارين ثابت في كل فعل فناسب إقامة الحجة على العباد إضافة الهداية إلى الله تعالى باعتبار خلقه لها وإضافة الضلال إلى العبد باعتبار اختياره له والحاصل أنه ذكر في كل واحد من الفعلين نسبة غير النسبة المذكورة في الآخر ليناسب ذلك إقامة الحجة ألا لله الحجة البالغة وأنكر بعض المحققين أن يكون هناك تغيير الأسلوب لأمر مطلوب بناء على أن ذلك إنما يكون فيما اقتضى الظاهر سبكا معينا ولكن يعدل عن ذلك لنكتة أهم منه وليس المراد من بيان قصد السبيل مجرد إعلام أنه مستقيم حتى يصح إسناده أنه جائر إليه فيحتاج إلى الإعتذار عن عدم ذلك على أنه لو أريد ذلك لم يوجد لتغيير الأسلوب نكتة وقد بين ذلك في مواضع غير معدودة بل المراد نصب الأدلة للهداية إليه ولا إمكان لإسناد مثله إليه تعالى بالنسبة إلى الطريق الجائر بأن يقال : وجائرها حتى يصرف ذلك الإسناد منه تعالى إلى غيره سبحانه لنكتة ولا يتوهمه متوهم حتى يقتضي الحال دفع ذلك بأن يقال لا جائرها ثم يغير سبك النظم عنه لداعية أقوى منه وذكر أن الجملة اعتراضية حسبما نقلناه سابقا وهو كلام يلوح عليه مخايل التحقيق بيد أن لقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يراد ببيان السبيل المستقيم وببيان السبيل الجائر نصب الأدلة الدالة على حقية الأول ليهتدي إليه وبطلان الثاني ليحذر ولا يعول عليه وهذا غير مجرد الأعلام الذي ذكره ونسبته إليه تعالى بل بعضهم : إن الحق أن المعنى على الله تعالى بيان طريق الهداية ليهتدوا إليه وبيان غيرها ليحذروه ولكن اكتفى بأحدهما للزوم الآخر له