ومنهم أحد فيرى ما وراءه من الهول ما لا يطيقه أو فيصيبه العذاب فالإلتفات على ظاهره وجوز أن يكون المعنى لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف لغرض فيصيبه ما يصيب المجرمين فالإلتفات مجاز لأن الإلتفات إلى الشيء يقتضي محبته وعدم مفارقته فيتخلف عنده وذكر جار الله أنه لما بعث الله تعالى الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرا لم يكن له بد من الإجتهاد في شكر الله تعالى وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه وليكون مطاعا عليهم وعلى أحوالهم فلا ترط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة ولئلا يتخلف أحد منهم لغرض فيصيبه العذاب وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به ونهوا عن الإلتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم فيرقوا لهم وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا قدما غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوى له أخادعه كما قال : تلفت نحو الحي حتى وجدتني وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا أو جعل النهي عن الإلتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة أه قال المدقق : وخلاصة ذلك أن فائدة الأمر والنهي أن يهاجر E على وجه يمكنه وأهله التشمر لذكر الله تعالى والتجرد لشكره وفيه مع ذلك إرشاد إلى ما هو أدخل في الحزم للسير وأدب المسافرة وما على الأمير والمأمور فيها وتنبيه على كيفية السفر الحقيقي وأنه أحق بقطع العوائق وتقديم العلائق وأحق وإشارة إلى أن الإقبال بالكلية على الله تعالى إخلاص فلله تعالى در التنزيل ولطائفه التي لا تحصى أه وأنت تعلم أن كون الفائدة المهاجرة على وجه يمكن التشمر لذكر الله تعالى والتجرد لشكره غير متبادر كما لا يخفى ولعله لذلك تركه بعض مختصري كتابه وإنما لم يستثن سبحانه الإمرأة عن الإسراء أو الإلتفات اكتفاء بما ذكر في موضع آخر وليس نحو ذلك بدعا في التنزيل وأمضوا حيث تؤمرون .
65 .
- قيل : أي إلى حيث يأمركم الله تعالى بالمضي إليه وهو الشام على ما روي عن ابن عباس والسدي وقيل : مصر وقيل : الأردن وقيل : موضع نجاة غير معين فعدى امضوا إلى حيث وتؤمرون إلى الضمير المحذوف على الإتساع .
واعترض بأن هذا مسلم في تعدية تؤمرون إلى حيث فإن صلته وهي الباء محذوفة إذ الأصل تؤمرون به أي بمضيه فاوصل بنفسه وأما تعدية امضوا إلى حيث فلا اتساع فيها بل هي على الأصل لكونه من الظروف المبهمة إلا أن يجعل ما ذكر تغليبا وأجيب بأن تعلق حيث بالفعل هنا ليس تعلق الظرفية ليتجه تعدي الفعل إليه بنفسه لكونه من الظروف المبهمة فإنه مفعول به غير صريح نحو سرت إلى الكوفة وقد نص النحاة على أنه قد يتصرف فيه فالمحذوف ليس في بل إلي فلا إشكال أه والمذكور في كتب العربية أن الأصل في حيث أن تكون ظرف مكان وترد للزمان قليلا عند الأخفش كقوله : للفتى عقل يعيش به حيث تهدي ساقه قدمه أراد حين تهدي ولا تستعمل غالبا إلا ظرفا وندر جرها بالباء في قوله .
كان منا بحيث يفكي الإزار .
ويالي في قوله .
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم .
وبفي في قوله : فأصبح في حيث التقينا شريدهم طليق ومكتوف اليدين ومرعف