ماخذلناك وما خلينا بينك وبينهم بل جئناك بما يدمرهم من العذاب الذي كانوا يكذبونك فيه حين تتوعدهم به .
وجعله غير واحد بعد أن فسر قوله عليه السلام : بما سمعت إضرابا عن موجب الخوف المذكور على معنى ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك عن عدوك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم به ويكذبونك ولم يقولوا بعذابهم مع حصول الغرض ليتضمن الكلام الإستئناس من وجهين تحقق عذابهم وتحقق صدقه عليه السلام ففيه تذكير لما كان يكابد منهم من التكذيب قيل : وقد كنى عليه السلام عن خوفه ونفاره بأنهم منكرون فقابلوه عليه السلام بكناية أحسن وأحسن ولا يمتنع فيما أرى حمل الكلام على الكناية على ما نقلناه عن العلامة أيضا ولعل تقديم هذه المقاولة على ما جرى بينه وبين أهل المدينة من المجادلة كما قال للمسارعة إلى ذكر بشارة لوط عليه السلام بإهلاك قومه المجرمين وتنحية آله عقيب ذكر بشارة إبراهيم عليه السلام بهما وحيث كان ذلك مستدعيا لبيان كيفية النجاة وترتيب مباديها أشير إلى ذلك إجمالا ثم ذكر فعل القوم وما فعل بهم ولم يبال بتغيير الترتيب الوقوعي ثقة بمراعاة في موضع آخر ونسبة المجيء بالعذاب إليه عليه السلام مع أنه نازل بالقوم بطريق تفويض أمره إليه كأنهم جاؤه به وفوضوا أمره إليه ليرسله عليهم حسبما كان يتوعدهم به فالباء للتعدية وجوز أن تكون للملابسة وجوز الوجهان في الباء في قوله سبحانه : وأتينك بالحق أي بالأمر المحقق المتيقن الذي لا مجال للإمتراء والشك فيه وهو عذابهم عبر بذلك تنصيصا على نفي الإمتراء عنه وجوز أن يراد بالحق الإخبار بمجيء العذاب المذكور .
وقوله تعالى : وإنا لصادقون .
64 .
- تأكيد له أي أتيناك فيما قلنا بالخبر الحق أي المطابق للواقع وإنا لصادقون في ذلك الخبر أو في كل خبر فيكون كالدليل على صدقهم فيه وعلى الأول تأكيدا أثر تأكيدا ومن الناس من جوز كون الباء للملابسة وجعل الجار والمجرور في موضع الحال من ضمير المفعول ولا يخفى حاله .
فأسر بأهلك شروع في ترتيب مباديء النجاة أي اذهب بهم في الليل وقرأ الحجازيان بالوصل على أنه من سرى لا من أسرى كما في قراءة الجمهور وهما بمعنى على ما ذهب إليه أبو عبيدة وهو سير الليل وقال الليث : يقال : أسرى في السير أول الليل وسرى في السير آخره وروى صاحب الأقليد فسر من سار وحكاها ابن عطية وصاحب اللوامح عن اليماني وهو عام وقيل : إنه مختص في السير بالنهار وليس مقلوبا من سرى .
بقطع من الليل بطائفة منه أو من آخره ومن ذلك قوله : افتحي الباب وانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم وقيل : هو بعد ما مضى منه شيء صالح وفي الكلام تأكيد أو تجريد على قراءة الجماعة على ما قيل وعلى قراءة سر لا شيء من ذلك وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى وحكى منذر بن سعيد أن فرقة قرأت بقطع بفتح الطاء وأتبع أدبارهم وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على أحوالهم ولعل إيثار الإتباع على السوق مع أنه المقصود بالأمر كما قيل للمبالغة في ذلك إذ السوق ربما يكون بالتقدم على بعض مع التأخر عن بعض ويلزمه عادة الغفلة عن حال المتأخر والإلتفات المنهي عنه بقوله تعالى : ولا يلتفت منكم أي منك