إليهم أتقياء موحدون كما لا يخفى على من سبر أحوالهم إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال ابن عطاء : أي إنا نزلنا هذا الذكر شفاء ورحمة وبيانا للهدى فينتفع به من كان موسوما بالسعادة منورا بتقديس السر عن دنس المخالفة وإنا له لحافظون في قلوب أوليائنا فهي خزائن أسرارنا ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين إشار سبحانه إلى سماء الذات وبروج الصفات والجلال فيسير في ذلك القلب والسر والعقل والروح فيحصل للروح التوحيد والتجريد والتفريد للعقل المعارف والكواشف وللقلب العشق والمحبة والخوف والرجاء والقبض والبسط والعلم والخشية والأنس والإنبساط وللسر الفناء والبقاء والسكر والصحو وحفظناها من كل شيطان رجيم إشارة إلى منع كشف جمال صفاته سبحانه وجلال ذاته D عن أبصار البطالين والمدعين والمبطلين الزائغين عن الحق إلا من استرق السمع اختلس شيئا من سكان هاتيك الحضائر القدسية من الكاملين فأتبعه شهاب بين نار التحير فهلك في بوادي التيه أو صار غولا يضل السائرين السالكين لتحصين ما ينفعهم وقيل الإشارة في ذلك : إنا جعلنا في سماء العقل بروج المقامات ومراتب العقول من العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد وزيناها بالعلوم والمعارف للناظرين المتفكرين وحفظناها من شياطين الأوهام الباطلة إلا من اختطف الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل فأتبعه شهاب البرهان الواضح فطرده وأبطل حكمه أه ولا يخفى ما في تزيين كل مرتبة من مراتب العقول المذكورة بالعلوم والمعارف للمتفكرين من النظر على من تفكر وقيل : الإشارة إلى أنه تعالى جعل في سماء القلوب بروج المعارف تسير فيها سيارات الهمم وجعلها زينة للناظرين إليها المطلعين عليها من الملائكة والروحانيين وحفظها من الشياطين فلو دنا إبليس أو جنوده من قلب عارف احترق بنور معرفته ورد خاسئا .
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا من كل شيء موزون إشارة إلى أنه تعالى بسط بأنوار تجلى جماله وجلاله سبحانه أرض قلوب أوليائه حتى أن العرش وما حوى بالنسبة إليها كحلقة في فلاة بل دون ذلك بكثير وفي الخبر ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ثم أنه تعالى لما تجلى عليها تزلزلت من هيبته فألقى عليها رواسي السكينة فاستقرت وأنبت فيها بمياه بحار زلال نور غيبه من جميع نباتات المعارف والكواشف والمواجيد والحالات والمقامات والآداب وكل من ذلك موزون بميزان علمه وحكمته .
وقال بعضهم : نفوس العابدين أرض العبادة وقلوب العارفين أرض المعرفة وأرواح المشتاقين أرض المحبة والرواسي الرجاء والخوف والرغبة والرهبة والأزهار والأنوار التي أشرقت فيها من نور اليقين ونور العرفان ونور الحضور ونور الشهود ونور التوحيد إلى غير ذلك وقيل : أشير بالأرض إلى أرض النفس أي بسطنا أرض النفس بالنور القلبي وألقينا فيها رواسي الفضائل وأنبتنا فيها كل شيء من الكمالات الخلقية والأفعال الإرادية والملكات الفاضلة والإدراكات الحسية معين مقدر بميزان الحكمة والعدل وجعلنا لكم فيها معايش بالتدابير الجزئية ومن لستم له برازقين ممن ينسب إليكم ويتعلق بكم قال بعضهم : إن سبب العيش مختلف فعيش المريدين بيمن إقباله تعالى وعيش العارفين بلطف جماله سبحانه وعيش الموحدين بكشف جلاله جل جلاله .
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه أي ما من شيء إلا له عندنا خزائنه في عالم القضاء وما ننزله في عالم الشهادة إلا بقدر معلوم من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل حسبما يقتضيه استعداده قيل : إن الإشارة في ذلك إلى دعوة العباد إلى حقائق التوكل وقطع الأسباب والإعراض عن الأغيار ومن هنا قال حمدون : إنه سبحانه