قول من شرط الأقل لما يلزم عليه من الفساد لأن استثناء الغاوين هنا يستلزم على ذلك أن يكونوا أقل من المخلصين الذين هم الباقون بعد الإستثناء من جنس العباد واستثناء المخلصين هناك يستلزم أن يكونوا أقل من الغاوين الذين هم الباقون بعد الإستثناء من ذلك فيكون كل من المخلصين والغاوين أقل من نفسه وهو كما ترى .
وأجاب بعضهم بأن المستثنى منه هنا جنس العباد الشامل للمكلفين وغيرهم ممن مات قبل أن يكلف ولا شك أن الغاوين أقل من الباقي منهم بعد الإستثناء وهم المخلصون ومن مات غير مكلف والمستثنى منه هناك المكلفون إذ هم الذين يعقل حملهم على الغواية والضلال إذ غير المكلف لا يوصف فعله بذلك والمخلصون أقل من الباقي منهم بعد الإستثناء أيضا ولا محذور في ذلك وذكر بعضهم أن الكثرة والقلة الإدعائيتين تكفيان لصحة الشرط فقد ذكر السكاكي في آخر قسم الإستدلال وكذا لا تقول لفلان على ألف إلا تسعمائة وتسعين إلا وأنت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف بجهة من الجهات الخطابية مع أنه ممن يشترط كون المستثنى أقل من الباقي أه وظاهر كلام الأصوليين ينافيه وجوز أن يكون الإستثناء منقطعا على تقدير إرادة الجنس أيضا ويكون الكلام تكذيبا للملعون فيما أوهم أن له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده سبحانه فإن منتهى قدرته أن يغرهم ولا يقدر على جبرهم على اتباعه كما قال : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فحاصل المعنى أن من اتبعك ليس لك عليهم سلطان وقهر بل أطاعوك في الإغواء واتبعوك لسوء اختيارهم ولا يضر في الإنقطاع دخول الغاوين في العباد بناء على ما قالوا من أن المعتبر في الإتصال والإنقطاع الحكم ويفهم كلام البعض أنه يجوز أن تكون الآية تصديقا له عليه اللعنة في صريح الإستثناء وتكذيبا في جعل الإخلاص علة للخلاص حسبما يشير إليه كلامه فإن الصبيان والمجانين خلصوا من إغوائه مع فقد هذه العلة .
ومن على جميع الأوجه المذكورة لبيان الجنس أي الذين هم الغاوون واستدل الجبائي بنفي أن يكون له سلطان على العباد على رد قول من يقول : إن الشيطان يمكنه صرع الناس وإزالة عقولهم وقد تقدم الكلام في إنكار المعتزلة تخبط الشيطان والرد عليهم وإن جهنم لموعدهم أجمعين .
43 .
- الضمير لمن اتبع أو للغاوين ورجح الثاني بالقرب وظهور ملاءمته للضمير والأول بأن اعتباره أدخل في الزجر عن اتباعه مع أن الثاني جيء به لبيانه و أجمعين توكيد للضمير وجوز أن يكون حالا منه ويجعل على هذا الموعد مصدرا ميميا ليتحقق شرط مجيء الحال من المضاف إليه وهو كون المضاف مما يعمل عمل الفعل فإنهم اشترطوا ذلك أو كون المضاف جزء المضاف إليه وكجزئه على ما ذكره ابن مالك وغيره ليتحد عامل الحال وصاحبها حقيقة أو حكما لكن يقدر حينئذ مضاف قبله لأن جهنم ليست عين الموعد بل محله فيقدر محل وعدهم أو مكانه وليس بتأويل اسم المفعول كما وهم وجوز أن يكون الموعد اسم مكان وحينئذ لا يحتاج إلى تقدير المضاف إلا أن في جواز الحالية بحثا لأن اسم المكان لا يعمل عمل فعله كما حقق في النحو وكون العامل معنى الإضافة وهو الإختصاص على القول بأنه الجار للمضاف إليه غير مقبول عند المحققين لأن ذلك من المعاني التي لا تنصب الحال ولا يخفى ما في جعل جهنم موعدا لهم من التهكم والإستعارة فكأنهم كانوا على ميعاد وفيه أيضا إشارة إلى أن ما أعد لهم فيها مما لا يوصف في الفظاعة لها سبعة أبواب أي سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في الغواية والمتابعة روي ذلك عن عكرمة وقتادة وأخرج أحمد في الزهد والبهقي في البعث وغيرهما من طرق عن علي كرم