لكن تعينات تلك الأجزاء إنما تحدث بعد الإنقسام الحاصل بعد التعلق بالبدن فيكون تعين كل واحد من تلك الأجزاء بعد التعلق بالبدن فيكون تعين كل واحدة من تلك النفوس من حيث هي حادثا وهو المطلوب .
وقولهم : لم قلتم إن الإمتياز لا يوجد إلا عند الإختصاص بوصف قلنا : يجاب بنحو ما ذكروه في تشخص التشخص وقولهم لم قلتم : إن النفوس لا يجوز أن تتمايز بالصفات المقومة قلنا : هب أن لأمركما قلتموه إلا أنا لا نعرفه بالبديهة أن كل نوع من أنواعها فإنها مقولة على أشخاص عدة بالضرورة فإنا نعلم أنه ليس يجب أن يكون كل إنسان مخالفا لجميع الناس في الماهية وإذا وجد في كل نوع من أنواعها شخص فقد تمت الحجة .
وقولهم : إن هذه الحجة مبنية على إبطال التناسخ قلنا : ليس كذلك لأنا إذا وجدنا من النوع الواحد شخصين علمنا أن تلك الشخصية ليست معولة لتلك الماهية لأن كل ما كان كذلك كان نوعه في شخصه ولما لم يكن كذلك علمنا أن شخصيته ليست من لوازم ماهيته فهي إذن لعلة خارجية وقد عرفت أن العلة هي المادة ومادة النفس هي البدن فإذن تعينها لابد وأن يكون للتعلق ببدن معين فتكون لا محالة غير متعينة قبل ذلك البدن فهي معدومة قبله .
وبهذا يظهر أن كل ما نوعه مقول على كثيرين بالفعل فهو محدث فاتضح من هذا أنه متى سلم كون النفوس متحدة في النوع يلزم حدوثها وأنه لا يحتاج في ذلك إلى إبطال التناسخ ليجيء الدور السابق قولهم : لم لا يجوز أن تكون موصوفة بعارض الخ قلنا : لا يجوز أن يكون امتيازها بذلك لأن تميز النفس المعينة عند غيرها حكم معين لا بد له من علة معينة وتلك العلة لا يمكن أن تكون حالة فيها لأن ذلك متوقف على امتيازها عن غيرها فلو توقف ذلك الإمتياز على حلول ذلك الحال لزم الدور فإذن تلك العلة أمر عائد إلى القابل وقيل البدن لا قابل فلا تميز والمتكلمون يبطلون مثل ما ذكر بلزوم التسلسل الذي يبطله برهان التطبيق .
وأما المعارض فالجواب عنها بأن النفوس الهيولانية يتميز بعضها عن البعض أولا بسبب تعلقها بالقابل المعين ثم أنه يلزم من تعين كل واحد منها شعورها بذاتها الخاصة وقد بين أن شعور الشيء بذاته حالة زائدة على ذاته ثم إن ذلك الشعور يستمر فلا جرم يبقى الإمتياز .
والحاصل أن الإمتياز لابد وأن يحصل أولا بسبب آخر حتى يحصل لكل من النفوس شعور بذاته الخاص وذلك السبب في النفوس الهيولانية تعلقها بالأبدان وأما التي قبل الأبدان فلو تميزت لكان المميز سوى الشعور حتى يترتب هو عليه وقد بين أنه ليس هناك مميز فلا جرم استحال حصول التميز وظهر الفرق والله تعالى الموفق .
وقد استدل صاحب المعتبر على حدوثها بأنها لو كانت موجودة قبل الأبدان لكانت إما متعلقة بأبدان أخر أو لا والأول باطل لأنه قول بالتناسخ وهو باطل لأن أنفسنا لو كانت من قبل في بدن آخر لكنا نعلم الآن شيئا من الأحوال الماضية ونتذكر ذلك البدن وليس فليس والثاني كذلك لأنها تكون حينئذ معطلة ولا معطل في الطبيعة وهو دليل بجميع مقدماته ضعيف جدا فلا تعتبره وزعم قوم من قدماء الفلاسفة قدمها وأوردوا لذلك أمورا .
الأول : أن كل ما يحدث فلا بد أن يكون له مادة تكون سببا لأن يصير أولى بالوجود بعد أن كان أولى بالعدم فلو كانت النفوس حادثة لكانت مادية وليس فليس .
الثاني أنها لو كانت حادثة لكان حدوثها لحدوث