على وفق العلم السابق الأزلي واللوح عبارة عن موجود قابل لنقش الصور والقلم عبارة عن موجود منه تفيض الصور على اللوح وليس من شرطهما أن يكونا جسمين ولا يبعد أن يكون قلم الله تعالى ولوحه لائقين لأصبعه ويده وكل ذلك ما يليق بذاته الإلهية ويقدس عن حقيقة الجسمية وقد يقال : إنهما جوهران روحيان أحدهما متعلم وهو اللوح والآخر معلم وهو القلم وقد أشير إلى ذلك بقوله سبحانه : علم بالقلم فإذا فهمت معنى الوجود فقد كان نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم قبل بالمعنى الأول منهما دون المعنى الثاني أه .
واعترض على الإستدلال من وجوه منها ما هو جار على رأي الفلاسفة المستدلين بذلك أيضا ومنها ما لا اختصاص له برأيهم الأول لم لا يجوز أن يقال : إنها كانت قبل الأبدان واحدة ثم تكثرت ولا يقال : الكل لو كان واحدا وكان قابلا للإنقسام يلزم أن تكون وحدته اتصالية فيكون جسما لأنا نقول : مسلم أن كل ما وحدته اتصالية فإنه واحد قابل للإنقسام ولا نسلم أن كل واحد قابل للإنقسام فوحدته اتصالية لأن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها .
الثاني سلمنا أنها كانت متكثرة لكن لم قلتم لابد أن يختص كل بصفة مميزة لأنه لو كان التميز للإختصاص بأمر ما لكان ذلك الأمر أيضا متميزا عن غيره فإما أن يكون تميزه بما به تميزه فيلزم الدور أو بثالث فيلزم التسلسل ولأن التميز لا يختص بشيء بعينه إلا بعد تميزه فلو كان تميز الشيء عن غيره باختصاصه بشيء لزم الدور .
الثالث سلمنا أنه لابد من مميز فلم لا يجوز أن يكون بذاتي وبيانه ما بينوه من اختلاف النفوس بالنوع .
الرابع سلمنا أنها لا تتميز بشيء من الذاتيات فلم لا يجوز أن تتميز بالعوارض قولكم : إن حدوثها بسبب المادة وهي هنا البدن ولا بدن فنقول لم لا يجوز أن يكون هناك بدن تتعلق به وقبله آخر وهكذا ولا مخلص من هذا إلا بإبطال التناسح فتوقف حجة إثبات حدوث الأرواح على ذلك الإبطال مع أن الحكماء بنوا ذلك على الحدوث حيث قالوا بعد الفراغ من دليله : إذا ثبت حدوث النفس فلابد وأن يكون لحدوثها سبب وذلك هو حدوث البدن فإذا حدث البدن وتعلقت به نفس على سبيل التناسخ وثبت أن حدوث النفس سبب لأن يحدث عن المباديء الممارقة نفس أخرى فحينئذ يلزم اجتماع نفسين في بدن فيجيء الدور .
الخامس سلمنا عدم تعلقنا ببدن قبل لكن لم لا يجوز أن تكون موصوفة بعارض باعتباره كانت متميزة ثم يكون كل عارض بسبب عارض آخر لا إلى أول .
السادس : المعارضة وهي أن الأرواح عند الفريقين باقية بعد المفارقة ولا يكون تمايزها بالماهية ولوازمها بل بالعوارض لكن الأرواح الهيولانية التي لم تكتسب شيئا من العوارض إذا فارقت لا يكون فيها شيء من العوارض سوى أنها كانت متعلقة بأبدان فإن كفى هذا القدر في وقوع التمايز فليكف أيضا كونها بحيث يحدث لها بعد التعلق بأبدان متمايزة قولهم : لم لا يجوز أن تكون قبل واحدة فتكسرت قلنا : لا يجوز لأن كل ما انقسم وجب أن يكون جزؤه مخالفا لكله ضرورة أن الشيء مع غيره ليس هو لا مع غيره فتلك المخالفة إن كانت بالماهية أو لوازمها وجب أن يكون كل واحد من الأجزاء مخالفا للآخر بالماهية فتكون تلك الأجزاء قد كانت متميزة أبدا وكانت موجودة قبل التعلق .
فهذه الأمور المتعلقة الآن بالأبدان كانت متميزة قبل التعلق بها وإن كانت المخالفة لا بالماهية ولا بلوازمها فلا بد أن يكون الجزء أصغر مقدارا من الكل وإلا لم يكن أحدهما أولى بأن يكون جزء الآخر من العكس فثبت أن كل واحد قابل للإنقسام فلا بد أن يكون ذا مقدار سلمنا أن المجرد لا يمكن أن ينقسم بعد وحدته