لحصر الفعل ولو كان لحصر الفاعل لا نفصل يخالفه ما في شرح المفتاح الشريفي من أنه إذا أريد حصر الفعل في الفاعل المضمر فإن ذكر بعد الفعل شيء من متعلقاته وجب انفصال الفاعل وتأخيره كما في قولك : إنما ضرب اليوم أنا وكما في قول الفرزدق : أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي وإن لم يذكر احتمل الوجوب طرد للباب وعدمه بأن يجوز الانفصال نظرا إلى المعنى والانفصال نظرا إلى اللفظ إذ لا فاصل لفظيا أه فإنه صريح في أن إنما قمت لحصر الفاعل وإن لم يجب الانفصال لكن اختار السعد في شرحه وجوب الانفصال مطلقا وحكم بأن الظاهر أن معنى إنما أقوم ما أنا إلا أقوم كما نقله السمرقندي وأبو حيان مع طائفة يسيرة من النحاة أنكروا إفادة إنما للحصر أصلا وليس بالمعول عليه عند المحققين لكنهم قالوا : إنها قد تأتي لمجرد التأكيد وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله ووجه الشهاب الاضراب بعد أن قال هو جعل الأول في حكم المسكوت عنه دون النفي ويحتمل الثاني بأنه إضراب لأن هذا ليس بواقع في نفس الأمر بل بطريق السحر أو هو باعتبار ما تفيده الجملة من الاستمرار الذي دلت عليه الإسمية أي مسحوريتنا لا تختص بهذه الحالة بل نحن مستمرون عليها في كل ما يرينا من الآيات هذا وفي هذه الآية من وصفهم بالعناد وتواطئهم على ما هم فيه من التكذيب والفساد ما لا يخفى وفي ذلك تأكيد لما يفهم من الآية الأولى وقد ذكر بن المنير في المراد منها وجها بعيدا جدا فيما أرى فقال : المراد والله تعالى أعلم إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها كما سلك في قلوب المؤمنين المصدقين فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء كل على علم وفهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولئلا يكون للكفار على الله تعالى حجة بأنهم ما فهموا وجه الإعجاز كما فهمها من آمن فأعلمهم الله تعالى وهم في مهلة وإمكان أنهم ما كفروا إلا على علم معاندين باغين غير معذورين ولذلك عقبه سبحانه بقوله تعالى : ولو فتحنا عليهم الخ أي هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه وولج ذلك في قلوبهم ووقر ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسمتهم اللداد حتى لو سلك بهم أوضح السبل وأدعاها إلى الإيمان لقالوا بعد الإيضاح العظيم : إنما سكرت أبصارنا وسحرنا وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها فأسجل سبحانه عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم بالتكذيب من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم كما فهم غيرهم من المصدقين لأن ذلك كان حاصلا لهم وليس بهم إلا العناد والإصرار لا غير أه فليتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل ثم أنه تعالى لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد ذكر دلائله السماوية والأرضية فقال عز قائلا : ولقد جعلنا في السماء بروجا الخ وإلى هذا ذهب الإمام وغيره في وجه الربط .
وقال ابن عطية : أنه سبحانه لما ذكر أنهم لو رأوا الآية المطلوبة في السماء لعاندوا وبقوا على ما هم فيه من الضلال عقب ذلك بهذه الآية كأنه جل شأنه قال : وإن في السماء لعبرا منصوبة غير هذه المذورة وكفرهم بها وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو أه والظاهر أن الجعل بمعنى الخلق والإبداع فالجار والمجرور متعلق به وجوز أن يكون بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف على أنه مفعول ثان له وبروجا مفعوله الأول والبروج جمع برج وهو لغة القصر والحصن وبذلك فسره هنا عطية فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم أنه قال :