أي فظل الملائكة الذين اقترحوا إتيانهم يعرجون في ذلك الباب وهم يرونهم على أتم وجه وقرأ الأعمش وأبو حيوة يعرجون بكسر الراء وهي لغة هذيل في العروج بمعنى الصعود لقالوا لفرط عنادهم وغلوهم في المكابرة وتفاديهم عن قبول الحق : إنما سكرت أبصارنا أي سدت ومنعت من الإبصار حقيقة وما نراه تخيل لا حقيقة له أخرجه أبو حاتم وغيره عن مجاهد وروي أيضا عن ابن عباس وقتادة فهو من السكر بالفتح وقال أبو حيان : بالكسر السد والحبس وقال ابن السيد : السكر بالفتح سد الباب والنهر وبالكسر السد نفسه ويجمع على سكور قال الرفاء : غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير ويشهد لهذا المعنى قراءة ابن كثير والحسن ومجاهد سكرت أبصارنا بتخفيف الكاف مبنيا للمفعول لأن سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد وعن عمرو بن العلاء أن المراد حيرت فهو من السكر بالضم ضد الصحو وفسروه بأنه حالة تعرض بين المرء وعقله وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر : سكران سكر هوى وسكر مدامة أنى يفيق فتى به سكران والتشديد في ذلك للتعدية لأن سكر كفرح لازم في الأشهر وقد حكى تعديه فيكون للتكثير والمبالغة وأرادوا بذلك أنه فسدت أبصارنا واعتراها خلل في أحساسها كما يعتري عقل السكران ذلك فيختل إدراكه ففي الكلام على هذا استعارة وكذا على الأول عند بعض ويشهد لهذا المعنى قراءة الزهري سكرت بفتح السين وكسر الكاف مخففة مبنيا للفاعل لأن الثلاثي اللازم مشهور فيه ولأن سكر بمعنى سد المعروف فيه فتح الكاف .
واختار الزجاج أن المعنى سكنت عن إبصار الحقائق من سكرت الريح تسكر سكرا إذا ركدت ويقال : ليلة ساكرة لا ريح فيها والتضعيف للتعدية ولهم أقوال أخر متقاربة في المعنى وقرأ أبان بن تغلب وحملت لمخالفتها سواد المصحف على التفسير سحرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون .
15 .
- قد سحرنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كما قالوا ذلك عند ظهور سائر الآيات الباهرة والظاهر على ما قال القطب أنهم أرادوا أولا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن وإن تخلينا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا أن الحال بخلافه ثم أضربوا عن الحصر في الإبصار وقالوا : بل تجاوز ذلك إلى عقولنا وفسر الزمخشري الحصر بأن ذلك ليس إلا تسكيرا فأورد عليه بأن إنما إنما تفيد الحصر في المذكر آخرا وحينئذ يكون المعنى ما تقدم وهو مبني على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم وخلافه ممتنع وقد قال المحقق في شرح التخليص أنه يجوز إذا كان نفس التقديم يفيد الحصر كما في قولنا : إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد وقال أبو الطيب : صفاته لم تزده معرفة لكنها لذة ذكرناها أي ما ذكرناها إلا لذة إلا أن هذا لا ينفع فيما نحن فيه نعم نقل عن عروس الأفراح أن حكم أهل المعاني غير مسلم فإن قولك : إنما قمت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل وليس بآخر ولو قصد حصر الفاعل لا نفصل ثم أورد عدة أمثلة من كلام المفسرين تدل على ما ذكروه في المسئلة فالظاهر أن الزمخشري لا يرى ما قالوه مطردا وهم غفلوا عن مراده هنا قاله الشهاب وما نقله عن عروس الأفراح في إنما قمت من أنه