مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل وهذا يحتاج اليه على تقدير اعتبار ماذكر سواء اعتبر كون الشخص وما بعده من أحوال الظالمين بخصوصهم أم لا والأولى أن لايعتبر في الآية مايحوج لهذا الجواب وأن يختار من التفاسير مالا يلزمه صريح التكرار وأن يجعل شخوص الأبصار حال عموم الخلائق وما بعده حال الظالمين المؤخرين فتأمل .
وأفئدتهم هواء .
34 .
- أي خالية من العقل والفهم لفرط الحيرة والدهشة ومنه قيل للجبان والأحمق : قلبه هواء أي لاقوة ولا رأي فيه ومن ذلك قول زهير : كأن الرحل منها فوق صعل من الظلمان جؤجؤه هواء وقول حسان : ألا بلغ أبا سفيان عني فانت مجوف نخب هواء وروى معنى ذلك عن أبي عبيدة وسفيان وقال ابن جريج : صفر من الخير خالية منه وتعقب بأنه لايناسب المقام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال : أي تمور في أجوافهم إلى حلوقهم ليس لها مكان تستقر فيه والجملة في موضع الحال أيضا والعامل فيها اما يرتد أو ماقبله من العوامل الصالحة للعمل وجوز أن تكون جملة مستقلة وإلى الأول ذهب أبو البقاء وفسر هواء بفارغة وذكر أنه انما افرد مع كونه خبرا لجمع لأنه بمعنى فارغة وهو يكون خبرا عن جمع كما يقال : أفئدة فارغة لأن تاء التأنيث فيه يدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم ومثل ذلك أحوال صعبة وأفعال فاسدة وقال مولانا الشهاب : الهواء مصدر ولذا أفرد وتفسيره باسم الفاعل كالخالي بيان للمعنى المراد منه المصحح للحمل فلا ينافي المبالغة في جعل ذلك عين الخلاء والمتبادر من كلام غير واحد أن الهواء ليس بمعنى الخلاء بل بالمعنى الذي يهب على الذهن من غير أعمال مروحة الفكر ففي البحر بعد سرد أقوال لايقضي ظاهرها بالمصدرية أن الكلام تشبيه محض لأن الأفئدة ليست بهواء حقيقة ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور وانها تجيء وتذهب وتبلغ الحناجر وهذا في معنى ماروى آنفا عن ابن جبير وذكر في إرشاد العقل السليم ماهو ظاهر في ان الكلام على التشبيه أيضا حيث قال بعد تفسير ذلك بماذكرنا أولا : كأنها نفس الهواء الخالي عن كل شاغل هذا ثم إنهم اختلفوا في وقت حدوث تلك الأحوال فقيل عند المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله تعالى يوم يقوم الحساب وقيل : عند إجابة الداعي والقيام من القبور وقيل عند ذهاب السعداء إلى الجنة والأشقياء إلى النار فتذكر ولا تغفل وأنذر الناس خطاب لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم بعد اعلامه أن تأخير عذابهم لماذا وأمر له بانذارهم وتخويفهم منه فالمراد بالناس الكفار المعبر عنهم بالظالمين كما يقتضيه ظاهر إتيان العذاب وإلى ذلك ذهب أبو حيان وغيره .
ونكتة العدول اليه من الاضمار على ماقاله شيخ الاسلام الاشعار بأن المراد بالانذار هو الزجر عماهم عليه من الظلم شفقة عليهم لا التخويف للأزعاج والايذاء فالمناسب عدم ذكرهم بعنوان الظلم وقال الجبائي : وأبو مسلم : المراد بالناس مايشمل أولئك الظالمين وغيرهم من المكلفين والانذار كما يكون للكفار يكون لغيرهم كما في قوله تعالى : إنما تنذر من اتبع الذكر والاتيان يعم الفريقين من كونهما في الموقف وإن كان