تعلق به الاخفاء أولا أي تعلم مانظهره ومالا نظهره فان علمه تعالى متعلق بما لايخطر بباله عليه السلام من الاحوال الخفية وتقديم مانخفى على مانعلن لتحقيق المساواة بينهما في تعلق العلم على أبلغ وجه فكان تعلقه بما يخفى أقدم منه بما يعلن أو لأن مرتبة السر والخفاء متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شيء يعلن الا وهو قبل ذلك خفى فتعلق علمه تعالى بحالته الاولى أقدم من تعلقه بحالته الثانية وجعل بعضهم ما مصدرية والتقديم والتأخير لتحقيق المساواة أيضا ومن هنا قيل : أي تعلم سرنا كما تعلم علننا .
والمقصود من فحوى كلامه عليه السلام ان اظهار هذه الحاجات وماهو من مباديها وتتماتها ليس لكونها غير معلومة لك بل إنما هو لأظهار العبودية والتخشع لعظمتك والتذلل لعزتك وعرض الافتقار لما عندك والاستعجال لنيل اياديك وقيل : أراد عليه السلام انك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وارحم بنا من أنفسنا فلا حاجة لنا الى الطلب لكن ندعوك لأظهار العبودية الى آخره وقد أشار السهر وردي الى أن ظهور الحال يغني عن السؤال بقوله : ويمنعني الشكوى الى الناس انني عليل ومن أشكو اليه عليل ويمنعني الشكوى الى الله انه عليم بما أشكوه قبل أقول وتكرير النداء للمبالغة في الضراعة والابتهال وضمير الجماعة كما قال بعض المحققين لأن المراد ليس مجرد علمه تعالى بما يخفى وما يعلن بل بجميع خفايا الملك والملكوت وقد حققه عليه السلام بقوله على وجه الاعتراض : وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء .
83 .
- لما أن علمه تعالى ذاتي فلا يتفاوت بالنسبة اليه معلوم دون معلوم وقال أبو حيان : لايظهر تفاوت بين اضافة رب الى ياء المتكلم وبين اضافته الى جمع المتكلم اه ومما نقلنا يعلم وجه اضافة رب هنا الى ضمير الجمع ولا أدري ماذا أراد أبو حيان بكلامه هذا وما يرد عليه أظهر من أن يخفى وإنما قال عليه السلام : وما يخفي الى آخره دون أن يقول : ويعلم مافي السموات والارض تحقيقا لما عناه بقوله : تعلم مانخفي من أن علمه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبة خفاء بالنسبة الى علمه تعالى كما يكون ذلك بالنسبة الى علوم المخلوقات وكلمة في متعلقة بمحذوف وقع صفة لشيء أي لشيء كائن فيهما أعم من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما أو على وجه الجزئية منهما وجوز أن تتعلق بيخفى وهو كما ترى وتقديم الارض على السماء مع توسيط لا بينهما باعتبار القرب والبعد منا المستعدين للتفاوت بالنسبة الى علومنا والمراد من السماء مايشمل السموات كلها ولو أريد من الأرض جهة السفل ومن السماء جهة العلو كما قيل جاز 1 والالتفات من الخطاب الى الاسم الجليل للاشعار بعلة الحكم والايذان بعمومه لأنه ليس بشأن يختص به أو بمن يتعلق به بل شامل لجميع الاشياء فالمناسب ذكره تعالى بعنوان مصحح لمبدئية الكل وعن الجبائي أن هذا من كلام الله تعالى شأنه وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السلام كقوله سبحانه : وكذلك يفعلون والا كثرون على الاول ومن على الوجهين للاستغراق الحمد لله الذي وهب لي على الكبر أي مع كبر سني ويأسي عن الولد فعلى بمعنى مع كما في قوله :