سكانهم للزراعة ولما قال : عند بيتك المحرم أثبت انه مكان عبادة فلما قال : ليقيموا أثبت أن الاقامة عنده عبادة وقد نفى كونها للكسب فجاء الحصر مع مافي ربنا من الاشارة الى أن ذلك هو المقصود .
وعن مالك أن التعليل يفيد الحصر فقد استدل بقوله تعالى : لتركبوها على حرمة أكلها وفي الكشف ان استفادة الحصر من تقدير محذوف مؤخر يتعلق به الجار والمجرور أي ليقوموا أسكنتهم هذه الاسكان أخبر أولا أنه أسكنهم بواد قفر فأدمج فيه حاجتهم الى الوافدين وذكر وجه الايثار لشرف الجوار بقوله : عند بيتك المحرم ثم صرح ثانيا بأنه انما آثر ذلك ليعمروا حرمك المحرم وبنى عليه الدعاء الآتي ومن الدليل على أنه غير متعلق بالمذكور تخلل ربنا ثانيا بين الفعل ومتعلقه وهذا بين ولا وجه لاستفادة ذلك من تكرار ربنا الا من هذا الوجه اه واختار بعضهم ماذكرناه أولا في وجه الاستفادة وقال : انه معنى لطيف ولا ينافيه الفصل بالنداء لأنه اعتراض لتأكيد الاول وتذكيره فهو كالمنبه عليه فلا حاجة الى تعلق الجار والمجرور بمحذوف مؤخر واستفادة الحصر من ذلك وهو الذي ينبغي أن يعول عليه وبجعل النداء مؤكدا للاول يندفع ماقيل : إن النداء له صدر الكلام فلا يتعلق مابعده بما قبله فلا بد من تقدير متعلق ووجه الاندفاع ظاهر وقيل : اللام لام الامر والفعل مجزوم بها والمراد هو الدعاء لهم باقامة الصلاة كأنه طلب منهم الاقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها ولا يخفى بعده وأبعد منه ماقاله أبو الفرج بن الجوزي : ان اللام متعلقة بقوله : اجنبني وبني أن نعبد الاصنام وفي قوله : ليقيموا بضمير الجمع على مافي البحر دلالة على أن الله تعالى أعلمه بأن ولده اسماعيل عليه السلام سيعقب هنالك ويكون له نسل فاجعل أفئدة من الناس أي افئدة من أفئدتهم تهوي إليهم أي تسرع اليهم شوقا وودادا فمن للتبعيض ولذا قيل : لو قال عليه السلام : أفئدة الناس لأزدحمت عليهم فارس والروم وهو مبني على الظاهر من اجابة دعائه عليه السلام وكون الجمع المضاف يفيد الاستغراق وروى عن ابن جبير انه قال : لو قال عليه السلام : أفئدة الناس لحجت البيت اليهود والنصارى .
وتعقب بأنه غير مناسب للمقام اذا المسؤول توجيه القلوب اليهم للمساكنة معهم لاتوجيهها الى البيت للحج والا لقيل تهوى اليه فانه عين الدعاء بالبلدية قد حكى بعبارة أخرى اه وأنت تعلم انه لا منافاة بين الشرطية في المروي وكون المسؤول توجيه القلوب اليهم للمساكنة معهم وقد جاء نحو ذلك تلك الشرطية عن ابن عباس ومجاهد كما في الدر المنثور وغيره على أن بعضهم جعل هذا دعاء بتوجيه القلوب الى البيت .
فقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوسا وعطاء ابن أبي رباح عن هذه الآية فاجعل الى آخره فقالوا : البيت تهوى اليه قلوبهم ياتونه وفي لفظ قالوا : هواهم الى مكة ان يحجوا نعم هو خلاف الظاهر وجوز أن تكون من للابتداء كما في قولك : القلب منه سقيم تريد قلبه فكأنه قيل : أفئدة ناس واعترضه أبو حيان بأنه لايظهر كونها للابتداء لأنه لافعل هنا يبتدأ فيه لغاية ينتهي اليها اذ لايصح ابتداء جعل أفئدة من الناس وتعقبه بعض الاجلة بقوله : وفيه بحث فان فعل الهوى للأفئدة يبتدأ به لغاية ينتهي اليها ألا يرى الى قوله : اليهم وفيه تأمل اه وكأن فيه اشارة الى ماقيل : من أن الابتداء في من الابتدائية إنما هو من متعلقها لا مطلقا وان جعلناها متعلقة بتهوى لايظهر لتأخيره ولتوسيط الجار فائدة وذكر مولانا الشهاب في توجيه الابتداء وترجيحه على التبعيض كلاما لايخلو