عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر فهبطت حتى اذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الانسان المجهود حتى جاوزته ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر ففعلت ذلك سبع مرات ولذلك سعى الناس بينهما سبعا فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت ان كان عندك غواث فاذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه حتى ظهر الماء فجعلت تحرضه وتغرف منه في سقائها وهو يفور فشربت وأرضعت ولدها وقال لها الملك : لاتخافي الضيعة فان ههنا بيت الله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه وان الله سبحانه لايضيع أهله ثم أنه مرت مع رفقة من جرهم فرأوا طائرا عائفا فقالوا : لاطير الا على الماء فبعثوا رسولهم فنظر فاذا بالماء فأتاهم فقصدوه وأم اسماعيل عنده فقالوا : أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت فلما أدرك اسماعيل عليه السلام زوجوه أمرأة منهم وتمام القصة في كتب السير .
بواد غير ذي زرع وهو وادي مكة شرفها الله تعالى ووصفه بذلك دون غير مزروع للمبالغة لأن المعنى ليس صالحا للزرع ونظيره قوله تعالى : قرآنا عربيا غير ذي عوج وكان ذلك لحجريته قال ابن عطية : وإنما لم يصفه عليه السلام بالخلو عن الماء مع انه حاله إذ ذاك لأنه كان علم ان الله تعالى لايضيع اسمعيل عليه السلام وامه في ذلك الوادي وانه سبحانه يرزقهما الماء فنظر عليه السلام النظر البعيد وقال أبو حيان بعد نقله وقد يقال : إن انتفاء كونه ذا زرع مستلزم لانتفاء الماء اذ لايمكن أن يوجد زرع الا حيث الماء فنفى مايتسبب عن الماء هو الزرع لانتفاء سببه وهو الماء اه وقال بعضهم : ان طلب الماء لم يكن مهما له عليه السلام لما أن الوادي مظنة السيول والمحتاج للماء يدخر منها مايكفيه وكان المهم له طلب الثمرات فوصف ذلك بكونه غير صالح للزرع بيانا لكمال الافتقار الى المسؤول فتأمل .
عند بيتك المحرم ظرف لأسكنت كقولك : صليت بمكة عند الركن وزعم أبو البقاء أنه صفة واد أو بدل منه واختار بعض الأجلة الاول اذ المقصود إظهار كون ذلك الاسكان مع فقدان مباديه لمحض التقرب الى الله تعالى والالتجاء الى جواره الكريم كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الحرمة المؤذن بعزة الملتجأ وعصمته عن المكاره فانهم قالوا : معنى كون البيت محرما ان الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به أو أنه لم يزل ممنعا عزيزا يهابه الجبابرة في كل عصر أو لأنه منع الطوفان فلم يستول عليه ولذا سمي عتيقا على ماقيل 1 وأبعد من قال إنه سمي محرما لأن الزائرين يحرمون على انفسهم عند زيارته أشياء كانت حلالا عليهم وسماه عليه السلام بيتا باعتبار ما كان فانه كان مبنيا قبل وقيل : باعتبار ماسيكون بعد وهو ينزع إلى اعتبار عنوان الحرمة كذلك .
ربنا ليقيموا الصلوة اي لأن يقيموا فللام جارة والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها والجار والمجرور متعلق بأسكنت المذكور وتكرير النداء وتوسيطه لاظهار كمال العناية باقامة الصلاة فانها عماد الدين ولذا خصها بالذكر من بين سائر شعائره والمعنى على مايقتضيه كلام غير واحد على الحصر أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع الخالي من كل مرتفق ومرتزق الاليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك وماتعمر به مساجدك ومتعبداتك متبركين بالبقعة التي شرفتها على البقاع مستسعدين بجوارك الكريم متقربين اليك بالعكوف عند بيتك والطواف به والركوع والسجود حوله مستنزلين رحمتك التي آثرت بها سكان حرمك وهذا الحصر على ماذكروا مستفاد فانه عليه السلام لما قال : بواد غير ذي زرع نفي أن يكون