لايغفر الشرك ولا نقص بجهل ذلك لأن مغفرة الشرك جائزة عقلا كما تقرر في الأصول لكن الدليل السمعي منه منها ولا يلزم النبي أن يعلم جميع الادلة السمعية في يوم واحد والامام لم يرتض أكثر هذه الاوجه وجعل هذا الكلام منه عليه السلام شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة وأنه دليل لحصول ذلك لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : إن المعصية المفهومة من الآية اما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو قبلها والاول والثاني باطلان لأن من عصاني مطلق فتخصيصه عدول عن الظاهر وأيضا الصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفران عند الخصم فلا يمكن اللفظ عليه فثبت أن الآية شفاعة لأهل الكبائر قبل التوبة ومتى ثبتت منه عليه السلام ثبتت في حق نبينا E لمكان اتبع ملة ابراهيم ونحوه ولئلا يلزم النقص وهو كما ترى وقد مر لك ماينفعك في هذا المقام فتذكر هداك الله تعالى .
ربنا قال في البحر كرر النداء رغبة في الاجابة والالتجاء اليه تعالى وأتى بضمير الجماعة لأنه تقدم ذكره عليه السلام وذكر بنيه في قوله : واجنبني وبني وتعقب بأن ذلك يقتضي ضمير الجماعة في رب انهن الخ مع أنه جيء فيه بضمير الواحد فالوجه ان ذلك لأن الدعاء المصدر به وما هو بصدد تمهيد مبادي اجابته من قوله : إني أسكنت الخ متعلق بذريته فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم ادخل في القبول واجابة المسؤل والتأكيد لمزيد الاعتناء فيما قصده من الخبر ومن في قوله من ذريتي بمعنى بعض وهي في تأويل المفعول به أي أسكنت بعض ذريتي ويجوز أن يكون المفعول محذوفا والجار والمجرور صفته سدت مسده أي أسكنت ذرية من ذريتي ومن تحتمل التبعيض والتبين وزعم بعضهم أن من زائدة على مذهب الاخفش لايرتضيه سليم البصيرة كما لايخفى والمراد بالمسكن اسمعيل عليه السلام ومن سيولد له فان اسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمن لاسكانهم والداعي للتعميم على ماقيل قوله الآتي : ليقيموا الخ ولا يخفى أن الاسكان له حقيقة ولأولاده مجاز فمن لم يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز يرتكب لذلك عموم المجاز وهذا الاسكان بعدما كان بينه عليه السلام وبين أهله ما كان .
وذلك أن هاجر أم اسمعيل كانت أمه من القبط لسارة فوهبتها من إبراهيم عليه السلام فلما ولدت له اسمعيل غارت فلم تقاره على كونه معها فأخرجها وابنها الى أرض مكة فوضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في اعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفي منطلقا فتبعته هاجر فقالت : ياابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء قالت له ذلك مرارا وجعل لايلتفت اليها فقالت له : الله أمرك بهذا قال : نعم 1 قالت : إذن لايضيعنا ثم رجعت وانطلق عليه السلام حتى اذا عند الثنية حيث لايرونه استقبل بوجهه البيت وكان إذ ذاك مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال : رب إني أسكنت الى لعلهم يشكرون ثم انها جلت ترضع ابنها وتشرب مما في السقاء حتى اذا نفد عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر اليه يتلبط فانطلقت كراهية ان تنظر اليه فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت