تنفس فتنفس فقال تبارك وتعالى : هذا أدنى نعمتي عليك واشتهر أن اول النعم المقصودة لذتها الوجود وأنه معدن كل كمال كما أن العدم معدن كل نقص ويدل على أنه نعمة لايكاد يقاس بها غيرها عند كثير من الناس ان الانسان منهم يفدي نفسه بملك الدنيا لو كان بيده وعلم أن الفداء ممكن إذا ألم به الالم وتحقق العدم .
ومن العجيب ان أبا علي الشبلي البغدادي وقيل : ابن سيناء لم يعد وجود الانسان نعمة عليه فقد قال من أبيات : ودهر ينثر الاعمار نثرا كما للغصن بالورق انتثار ودنيا كلما وضعت جنينا غذاه من نوائبها ظؤار إلى أن قال : نعاقب في الظهور وما ولدنا ويذبح في حشا الام الحوار وننتظر البلايا والرزايا وبعد فللوعيد لنا انتظار ونخرج كارهين كما دخلنا خروج الضب أخرجه الوجار فماذا الامتنان على وجود لغير الموجدين به الخيار فكانت أنعما لو أن كونا نخير قبله أو نستشار فهذا الداء ليس له دواء وهذا الكسر ليس له انجبار إلى آخر ماقال ولعمري لقد غمط نعمة الله تعالى عليه وظلمها إن الانسان لظلوم يظلم النعمة باغفال شكرها بالكلية أو بوضعه في غير موضعه أو يظلم نفسه بتعريضها للحرمان بترك الشكر كفر .
43 .
- شديد الكفران والجحود وقيل : ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع والاول أنسب بما قبله وأل في الانسان للجنس ومصداق الحكم بالظلم وأخيه بعض من وجدا من افراده فيه ويدخل في ذلك الذين بدلوا نعمة الله تعالى كفرا والظاهر أن الجملة استئناف بياني وقع جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : لم لم يراعوا حقها أو لم حرمها بعضهم وقيل : إنها تعليل لعدم تناهي النعم ولذا أتى بصيغتي المبالغة فيها وهو كما ترى هذا وفي النحل وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الله لغفور رحيم وفرق أبو حيان بين الختمين بأنه هنا لما تقدم قوله تعالى : ألم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وبعده وجعلوا الله اندادا فكان ذلك نصا على مافعلوا من القبائح من الظلم والكفران ناسب أن يختم بذم من وقع ذلك منه فختمت الآية بقوله سبحانه : إن الانسان لظلوم كفار وأما في النحل فلما ذكرعدة تفضلات وأطنب فيها وقال جل شأنه : أفمن يخلق كمن لايخلق أي من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لايقدر على الخلق ذكر من تفضلاته تعالى اتصافه بالغفران والرحمة تحريضا على الرجوع اليه سبحانه وأن هاتين الصفتين هو جل وعلا متصف بهما كما هو متصف بالخلق ففي ذلك اطماع لمن آمن به تعالى وانتقل من عبادة المخلوق الى عبادة الخالق تبارك وتعالى انه يغفر زلله السابق ويرحمه وأيضا فانه لما ذكر أنه تعالى هو المتفضل بالنعم على الانسان ذكر ما حصل من المنعم ومن جنس المنعم عليه فحصل من المنعم ما يناسب حالة عطائه وهو الغفران والرحمة اذ لولاهما لما أنعم عليه وحصل من جنس المنعم عليه ما يناسب حالة الانعام عليه ويقع معها في الجملة وهو الظلم والكفران فكأنه قيل : إن صدر من الانسان ظلم فالله تعالى غفور أو كفران فالله تعالى رحيم لعلمه بعجز الانسان وقصوره وما نقل السخاوي عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم من أن هذه الآية منسوخة