والنفسانية والجسمانية مالايحيط به نطاق التعبير ولا يعلمه الا اللطيف الخبير وتوضيحه أنه كما لايستحق الوجود ابتداء لايستحقه بقاء وانما ذلك من جناب المبدىء الأول عز شأنه وجل فكما لايتصور وجوده ابتداء مالم يسند عليه جميع انحاء عدمه الاصلي لايتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته مالم ينسد عليه جميع انحاء عدمه الطارىء لأن الاستمرار والدوام من خصائص الوجود الواجبي .
وأنت خبير بأن مايتوقف عليه وجوده من الامور الوجودية التي هي علله وشرائطه وان وجب كونها متناهية لوجوب تناهي مادخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده ليست كذلك اذ لا استحالة في أن يكون لشيء واحد موانع غير متناهية وانما الاستحالة في دخولها تحت الوجود وارتفاع تلك الموانع التي لاتتناهى أعني بقاءها على العدم مع امكان وجودها في انفسها في كل آن من آنات وجوده نعم غير متناهية حقيقة لا ادعاء وكذا الحال في وجودات علله وشرائطه القريبة والبعيدة ابتداء وبقاء وكذا في كمالاته التابعة لوجوده اه ويتراءى منه أنه قد ترك الامام في تحقيق هذا المقام وراءه وأنه لو سمع ذلك لأفتدى به في ذكره ولعد من النعم اقتداءه وقريب منه ما يقال في بيان عدم تناهي النعم : ان الوجود نعمة وكذا كل مايتبعه من الكمالات وذلك موقوف على وجوده تعالى في الازمنة الموهومة الغير المتناهية وتحقق مايتوقف عليه وجود النعمة نعمة فتحققه سبحانه في كل آن من تلك الآنات نعمة فالنعم غير متناهية ولك أن تقول في بيان ذلك : إنه ما من انسان الا وقد دفع الله تعالى عنه من البلايا ما لا يحيط به نطاق الحصر لأن البلايا الداخلة تحت حيطة الامكان غير متناهية ولا شك أن دفع كل بلية نعمة فتكون النعم غير متناهية ومما يوضح عدم تناهي البلايا الممكنة أن أهل النار المخلدين فيها لازال عذابهم بازدياد كما يرشد اليه قوله تعالى : فذوقوا فلن نزيديكم الا عذابا وقد ذكر غير واحد في ذلك أنهم كلما استغاثوا من نوع من العذاب أغيثوا بأشد من ذلك فيكون كل مرتبة منه متناهيا في الشدة وإن كانت مراتبه غير متناهية بحسب العدد والمدة وعلى هذا نعم الله تعالى على المبتلى أيضا لاتحصى .
وفي رواية ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال : إن لله تعالى على أهل النار منه فلو شاء أن يعذبهم بأشد من النار لعذبهم ثم الظاهر أن المراد بالنعمة معناها اللغوي أعني الأمر الملائم لا المعنى الشرعي أعني الملائم الذي تحمد عاقبته إذ لايتأتى عليه عموم الخطاب ولا يبعد اطلاق النعمة بذلك المعنى على نحو رفع الموانع وتحقق العلل والشرائط حسبما ذكر سابقا وظاهر ماتقدم يقتضي أن النعم في حد ذاتها غير محصورة والآية ظاهرة في أن الانسان لايحصرها بالعد وفرق بين الأمرين فتدبر وبالجملة ليس للعبد إلا العجز عن الوقوف على نهاية نعمه سبحانه وتعالى وكذا العجز عن شكر ذلك وما أحسن ماقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه : من لم يعرف نعمة الله تعالى عليه الا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه .
وأخرج البيهقي في الشعب وغيره عن سليمان التيمي قال : إن الله تعالى أنعم على العباد على قدره سبحانه وكلفهم الشكر على قدرهم وعن طلق بن حبيب قال : إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد وإن نعم الله سبحانه أكثر من أن يحصيها العباد ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين وأفضل نعمه جل شأنه على عباده على ما روى عن سفيان بن عيينة أن عرفهم أن لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم أن داود عليه السلام قال : رب اخبرني ماأدنى نعمتك علي فأوحى الله تعالى اليه ياداود