ثم استعمل لمطلق العد وقال بعض الافاضل : ان اصله ان الحاسب اذا بلغ عقدا معينا من عقود الاعداد وضع حصاة ليحفظه بها ففيه ايذان بعدم بلوغ مرتبة معتد بها من مراتبها فضلا عن بلوغ غايتها وهو من الحسن بمكان الا انه ذهب الى الاول الراغب وغيره وأول الاحصاء بالحصر لئلا يتنافى الشرط والجزاء اذا ثبت في الاول العد ونفى في الثاني ولو أول أن تعدوا بأن تريدوا العد يندفع السؤال على ماقيل أيضا والاول أولى وقال بعض الفضلاء : ان المعنى ان تشرعوا في عد افراد نعمة من نعمه تعالى لاتطيقوا عدها .
وإنما أتي بإن وعدم العد مقطوع به نظرا الى توهم أنه يطاق قيل : والكلام عليه أبلغ على الاول لما فيه من الاشارة الى أن النعمة الواحدة لايمكن عد تفاصيلها لكن أنت تعلم أن الظاهر هو الاول وقد ذكر الامام مثالين يستوضح بهما الوقوف على أن نعم الله تعالى لاتحصى ولا يمكن أن تستقصى فقال : الاول أن الاطباء ذكروا أن الاعصاب قسمان دماغية ونخاعية والدماغية سبعة وقد اتبعوا انفسهم في معرفة الحكم الناشئة من كل واحدة منها ولا شك أن كل واحدة تنقسم الى شعب كثيرة وكل واحدة من تلك الشعب تنقسم أيضا الى شعب أدق من الشعر ولكل واحد منها الى الاعضاء ولو أن واحدة اختلت كيفا أو وضعا أو نحو ذلك لاختلت مصالح البنية ولكل منها على كثرتها حكم مخصوصة وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية فاعتبر مثله في الشرايين والاوردة وفي كل واحد من الاعضاء البسيطة والمركبة بحسب الكمية والوضع والفعل والانفعال حتى ترى أقسام هذا الباب بحرا لا ساحل له واذا اعتبرت هذا في بدن الانسان فاعتبر في نفسه وروحه فان عجائب عالم الارواح أكثر من عجائب عالم الاجسام واذا اعتبرت أحوال عالم الافلاك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر والنبات والمعدن والحيوان ظهر لك أن عقول جميع الخلائق لو ركبت وجعلت عقلا واحدا وتأمل به الانسان في حكمة الله تعالى في أقل الاشياء لما أدرك منها إلا القليل .
الثاني أنه اذا اخذت لقمة من الخبز لتضعها في فمك فانظر الى ماقبلها والى مابعدها فاما الاول فاعرف أنها لاتتم الا اذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه الاصوب لأن الحنطة لابد منها ولا تنبت الا بمعونة الفصول وتركب الطبائع وظهور الامطار والرياح ولا يحصل شيء من ذلك الا بدور أن الافلاك واتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة ثم بعد أن تكون الحنطة لابد لها من الآت الطحن ونحوه وهي لاتحصل الا عند تولد الحديد في ارحام الجبال ثم تأمل كيف تكونت على الاشكال المخصوصة ثم اذا حصلت تلك الآلات فانظر أنه لابد من اجتماع العناصر حتى يمكن الطبخ وأما الثاني فتأمل في تركيب بدن الحيوان وهو أنه تعالى كيف خلق ذلك حتى يمكنه الانتفاع بتلك اللقمة وانه كيف يتضرر الحيوان بالاكل وفي أي الأعضاء تحدث تلك المضار فلا يمكنك أن تعرف القليل الا بمعرفة علم التشريح وعلم الطب على الوجه الأكمل وأنى للعقول بادراك كل ذلك فظهر بالبرهان الباهر صحة هذه الشرطية اه .
وقال مولانا أبو السعود قدس سره بعد كلام : وإن رمت العثور على حقيقة الحق والوقوف على ماجل من السر ودق فاعلم ان الانسان بمقتضى حقيقته الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما يتبعه من الكمالات اللائقة والملكات الرائقة بحيث لو انقطع مابينه وبين العناية الالهية من العلاقة لما استقر له القرار ولا أطمأنت به الدار الا في مطمورة العدم والبوار ومهاوي الهلاك والدمار لكن يفيض عليه من الجناب الاقدس تعالى شأنه وتقدس في كل زمان يمضي وكل آن يمر وينقضي من أنواع الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وسائر الصفات الروحانية