كل من الموضعين بأن الأول خطاب عام فكان الحث فيه على الانفاق مطلقا وتصوير أن الانفاق نفسه هو المطلوب فليغتنم قبل أن يأتي يوم يفوت فيه ولا يدركه الطالب هو الموافق لمقتضى المقام وأن الثاني لما اختص بالخلص كان الموافق للمقام تحريضهم على ماهم عليه من الانفاق ليدوموا عليه فقيل : دوموا عليه وتمسكوا به تغتبطوا يوم لاينفع إلا من دام عليه ولو قيل : دوموا عليه قبل أن يفوتكم ولا تدركوه لم يكن بتلك الوكادة لأن الأول بالحث على طلب أصل الفعل أشبه والثاني بطلب الدوام فتفطن له اه ولا يخلو عن دغدغة .
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ويعقوب لابيع فيها ولا خلال بفتح الاسمين تنصيصا على استغراق النفي ودلالة الرفع على ذلك باعتبار خطابي هو على ماقيل وقوعه في جواب هل فيه بيع أو خلال ثم أنه لما ذكر سبحانه أحوال الكافرين لنعمه وأمر المؤمنين باقامة مراسم الطاعة شكرا لها شرع جل وعلا في تفصيل ما يستوجب على كافة الانام المثابرة على الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام حثا للمؤمنين عليها وتقريعا للكفرة المخلين أتم اخلال بها فقال عز قائلا : الله الذي خلق السموات والارض الخ وهذا أولى ماقيل : أنه تعالى لما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء والاشقياء وكان حصول السعادة بمعرفة الله تعالى وصفاته والشقاوة بالجهل بذلك ختم الوصف بالدلائل الدالة على وجوده جل شأنه وكمال علمه وقدرته فقال سبحانه ما قال لظهور اعتبار المذكورات في حيز الصلة نعما لا دلائل والاسم الجليل مبتدأ والموصول خبره ولا يخفى مافي الكلام من تربية المهابة والدلالة على قوة السلطان والمراد خلق السموات وما فيها من الاجرام العلوية والارض وما فيها من أنواع المخلوقات وأنزل من السماء أي السحاب ماء أي نوعا منه وهو المطر وسمى السحاب سماء لعلوه وكل ماعلاك سماء وقيل : المراد بالسماء الفلك المعلوم فان المطر منه يتبدى الى السحاب ومن السحاب الى الارض وعليه الكثير من المحدثين لظواهر الاخبار .
واستبعد ذلك الامام لأن الانسان ربما كان واقفا على قمة جبل عال ويرى السحاب أسفل منه فاذا نزل رآه ماطرا ثم قال : واذا كان هذا امرا مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا وأول بعضهم الظواهر لذلك بأن معنى نزول المطر من السماء نزوله أسباب ناشئةمنها واياما كان فمن ابتدائية وهي متعلقة بأنزل وتقديم المجرور على المنصوب اما باعتبار كونه مبتدأ لنزوله أو لتشريفه كما في قولك : أعطاء السلطان من خزائنه مالا أو لما مر غير مرة من التشويق الى المؤخر فأخرج به أي بذلك الماء من الثمرات رزقا لكم تعيشون به وهو بمعنى المرزوق مرادا به المعنى اللغوي وهو كل ما ينتفع به فيشمل المطعوم والملبوس ونصبه على انه مفعول أخرج و من الثمرات بيان له فهو في موضع الحال منه وتقدم من البيانية على ما تبينه قد اجازه الكثير من النحاة وقد مر الكلام في ذلك واستظهر أبو حيان المانع لذلك كون من للتبعيض والجار والمجرور في موضع الحال و رزقا مفعول أخرج أيضا وجوز أن تكون من بمعنى بعض مفعول أخرج و رزقا بمعنى مرزوقا حالا منه فهو بيان للمراد من بعض الثمرات لأن منها ماينتفع به فهو رزق ومنها ما ليس كذلك ويجوز أن يكون رزقا باقيا على مصدريته ونصبه على انه مفعول له أي أخرج به ذلك لأجل الرزق والانتفاع به أو مفعول مطلق لأخرج لأن أخرج بعض الثمرات في معنى رزق فيكون في معنى قعدت جلوسا على المشهور وقيل : من زائدة ولا يرى جواز ذلك هنا إلا الاخفش و لكم