عن رأيه فاذا لم تر منه إلا الاباء والتصميم حردت عليه وقلت : أنت وشأنك فافعل ماشئت فلا تريد بهذا حقيقة الأمر ولكنك كأنك تقول : فاذا قد أبيت قبول النصيحة فأنت أهل ليقال لك أفعل ماشئت وتبعث عليه ليتبين لك إذا فعلت صحة رأي الناصح وفساد رأيك انتهى .
قال صاحب الكشف : إن الوجهين مشتركان في إفادة التهديد لكن الاداء اليه مختلف والأول نظير ما إذا أطاع أحد عبيدك بعض من تنتقم طريقته فتقول : اطع فلانا وهذا صحيح صدر من المنقوم أمر ومن العبد طاعة أو كان منه موافقة لبعض ما يهواه والقسم الاخير هو مانحن فيه والثاني ظاهر انتهى .
وظاهر هذا ان التهديد على الوجهين مفهوم من صيغة الأمر ويفهم من كلام بعض الأجلة أن ذلك على الوجه الأول من الشرطية وعلى الثاني من الأمر وما في حيز القاء تعليل له ولعل النظر الدقيق قاض بما أفتى به ظاهر ما في الكشف وذكر غير واحد أن هذا كقول الطبيب لمريض يأمره بالاحتماء فلا يحتمي : كل ماتريد فان مصيرك إلى الموت فان المقصود كما قال صاحب الفرائد التهديد ليرتدع ويقبل مايقول .
وجعل الطيبي ماقرر في المثال هو المراد من قول الزمخشري ان في تمتعوا إيذانا بأنهم لانغماسهم الخ وأنت تعلم أنه ظاهر في الوجه الثاني فافهم والمصير مصدر صار التامة بمعنى رجع وهو اسم إن و إلى النار في موضع الخبر ولا ينبغي أن يقال : إنه متعلق بمصير وهو من صار بمعنى انتقل ولذا عدى بإلى لأنه يدعو إلى القول بحذف خبر إن وحذفه في مثل هذا التركيب قليل والكثير فيما اذا كان الاسم نكرة والخبر جار ومجرور والحوفي جوز هذا التعلق فالخبر عنده محذوف أي فان مصيركم إلى النار واقع أو كائن لامحالة .
ثم انه تعالى لما هدد الكفار وأشار إلى انهماكهم في اللذة الفانية أمر نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأمر خلص عباده بالعبادة البدنية والمالية فقال سبحانه : قل لعبادي الذين ءامنوا وخصهم بالاضافة اليه تعالى رفعا لهم وتشريفا وتنبيها على أنهم المقيمون لوظائف العبودية الموفون بحقوقها وترك العطف بين الأمرين للايذان بتباين حالهما تهديدا وغيره ومقول القول على ماذهب اليه المبرد والاخفش والمازني محذوف دل عليه يقيموا أي قل لهم : أقيموا الصلاة وأنفقوا .
ويقيموا الصلاة وينفقوا ممارزقناهم والفعل المذكور مجزوم على أنه جواب قل عندهم وأورد أنه لايلزم من قوله E : أقيموا وأنفقوا أن يفعلوا ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا ومن هنا قالوا : إن في ذلك إيذانا بكمال مطاوعتهم وغاية مسارعتهم إلى الامتثال ويشد عضد ذلك حذف المقول لما فيه من إيهام انهم يفعلون من غير أمر على أن مبني الايراد على أنه يشترط في السبيبة التامة وقد منع وجعل ابن عطية قل بمعنى بلغ وأد الشريعة والجزم في جواب ذلك وهو قريب مما تقدم .
وحكى عن أبي علي وعزى للمبرد أن الجزم في جواب الأمر المقول المحذوف وتعقبه أبو البقاء بأنه فاسد لوجهين : الاول أن جواب الشرط لابد أن يخالف فعل الشرط أما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما فاذا اتحدا لايصح كقولك : قم تقم اذ التقدير هنا إن يقيموا يقيموا والثاني أن الأمر المقدر للمواجهة والفعل المذكور على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدا وقيل عليه : إن الوجه الأول قريب وأما الثاني فليس بشيء لأنه يجوز أن تقول : قل لعبدك أطعني يطعك وإن كان للغيبة بعد المواجهة باعتبار حكاية الحال