الرسول الذي بعث اليكم لم يهتد له ولم يرجع اليهم شيئا فذلك قوله تعالى : ويضل الله الظالمين : ويفعل الله مايشاء .
72 .
- من تثبيت بعض واضلال بعض آخرين حسبما توجبه مشيئته التابعة للحكم البالغة المقتضية لذلك وفي اظهار الاسم الجليل في الموضعين من الفخامة وتربية المهابة مالايخفى مع مافيه كما قيل من الايذان بالتفاوت في مباديء التثبيت والاضلال فان مبدأ صدور كل منهما عنه سبحانه وتعالى من صفاته العلا غير ماهو مبدأ صدور الآخر وفي ظاهر الآية من الرد على المعتزلة مافيها ألم تر تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أو لكل أحد مما صنع الكفرة من الاباطيل أي ألم تنظر إلى الذين بدلوا نعمت الله أي شكر نعمته تعالى الواجب عليهم ووضعوا موضعه كفرا عظيما وغمطا لها فالكلام على تقدير مضاف حذف واقيم المضاف اليه مقامه وهو المفعول الثاني و كفرا المفعول الاول وتوهم بعضهم عكس ذلك وقد لايحتاج إلى تقدير على معنى أنهم بدلوا النعمة نفسها كفرا لأنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبيها موصوفين بالكفر وقد ذكر هذا كالاول الزمخشري والوجهان كما في الكشف خلافا لما قرره الطيبي وتابعه عليه غيره متفقان في أن التبديل ههنا تغيير في الذات إلا أنه واقع بين الشكر والكفر أو بين النعمة نفسها والكفر والمراد بهم أهل مكة فان الله سبحانه أسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته وأكرمهم بمحمد A فكفروا نعمة الله تعالى بدل ما ألزمهم من الشكر العظيم أو أصابهم الله تعالى بالنعمة والسعة لإيلافهم الرحلتين فكفروا نعمته سبحانه فضربهم جل جلاله بالقحط سبع سنين وقتلوا وأسروا يوم بدر فحصل لهم الكفر بدل النعمة وبقى ذلك طوقا في أعناقهم .
وأخرج الحاكم وصححه وابن جرير والطبراني وغيرهم من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين هما الافجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فقطع الله تعلى دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وغيرهما عن عمر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك 1 .
وجاء في رواية كما في جامع الاصول هم والله كفار قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : هم جبلة بن الايهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم ولعله رضي الله تعالى عنه لايريد أنها نزلت في جبلة ومن معه لأن قصتهم كانت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه إنما يريد أنها تخص من فعل فعل جبلة إلى يوم القيامة وأحلوا أي انزلوا قومهم بدعوتهم إياهم لما هم فيه من الضلال ولم يتعرض لحلولهم لدلالة الاحلال عليه إذ هو فرع الحلول كما قالوا في قوله تعالى في فرعون : يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار دار البوار .
82 .
- أي الهلاك من بار يبور بوارا وبورا قال الشاعر : فلم أر مثلهم أبطال حرب غداة الحرب إذ خيف البوار وأصله كما قال الراغب فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر به عن الهلاك جهنم عطف بيان للدار وفي الابهام ثم البيان مالايخفى من التهويل وأعربه الحوفي وأبو البقاء بدلا منها وقوله تعالى : يصلونها أي يقاسون حرها حال من الدار أو من جهنم أو من قومهم أو استئناف لبيان كيفية الحلول وجوز أبو البقاء كون جهنم منصوبا الاشتغال أي يصلون